الأولى ليس بذنب ، وإن كان الثواب ينقص معه ؛ فإنّ الأنبياء عليهمالسلام يجوز أن يتركوا كثيرا من النوافل. وقد يقول أحدنا لغيره إذا ترك الندب : لم تركت الأفضل ولم عدلت عن الأولى؟ ولا يقتضي ذلك إنكارا ولا قبيحا (١).
ـ (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ...) [التوبة : ٤٦].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [التوبة : ٤٩].
أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.
ـ (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ٥٥].
[إن سأل سائل] فقال : كيف يعذّبهم بالأموال والأولاد ، ومعلوم أنّ لهم فيها سرورا ولذّة؟ وما تأويل قوله تعالى : (وَهُمْ كافِرُونَ) وظاهره يقتضي أنّه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم ، لأنّ القائل إذا قال : «أريد أن يلقاني فلان وهو لابس أو على صفة كذا وكذا» ، فالظاهر أنّه أراد كونه على تلك الصفة؟
الجواب : قلنا : أمّا التعذيب بالأموال والأولاد ففيه وجوه :
أوّلها : ما روي عن ابن عباس وقتادة ، وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير ، ويكون التقدير : فلا تعجبك يا محمد ولا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفّار والمنافقين ولا أولادهم في الحياة الدنيا ؛ إنّما يريد الله ليعذّبهم بها في الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها ؛ واستشهد على ذلك بقوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (٢) ؛ والمعنى : فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ، ثمّ تولّ عنهم ؛ وأنشد في ذلك قول الشاعر :
عشية أبدت جيد أدماء مغزل (٣) |
|
وطرفا يريك الإثمد الجون أحورا |
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٦٠. وراجع أيضا الأمالي ، ٢ : ٣٣٠.
(٢) سورة النمل ، الآية : ٢٨.
(٣) مغزل : معها غزالها.