الجواب : قيل له : ليس يمتنع أن يكون يعقوب عليهالسلام لمّا رأى من بنيه ما رأى من الإيمان والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لأخيهم ، ظنّ مع ذلك السلامة وغلبة النجاة ، بعد أن كان خائفا مغلّبا لغير السلامة. وقوي في نفسه أن يرسله معهم إشفاقا من إيقاع الوحشة والعداوة بينهم ؛ لأنّه إذا لم يرسله مع الطلب منهم والحرص ، علموا أنّ سبب ذلك هو التهمة لهم والخوف من ناحيتهم فأستوحشوا منه ومن يوسف عليهالسلام ، وانضاف هذا الداعي إلى ما ظنّه من السلامة والنجاة ، فأرسله (١).
ـ (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف : ١٧].
[فان قيل : ما معنى هذه الآية] وكيف يجوز أن ينسبوه إلى أنّه لا يصدّق الصادق ويكذّبه؟
الجواب : انّهم لمّا علموا على مرور الأيّام بشدّة تهمة أبيهم لهم وخوفه على أخيهم منهم لما كان يظهر منهم من أمارات الحسد والمنافسة ، أيقنوا بأنه عليهالسلام يكذّبهم فيما أخبروا به من أكل الذئب أخاهم ، فقالوا له : إنّك لا تصدّقنا في هذا الخبر لما سبق إلى قلبك من تهمتنا وإن كنّا صادقين. وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر إذا أراد أن يوقع في قلب من يخبره بالشيء صدقه ؛ لأنّ القتل من أفظع مصائب الدنيا ، فيقول : أنا أعلم إنّك لا تصدّقني في كذا وكذا ، وإن كنت صادقا ؛ وهذا بيّن (٢).
ـ (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [يوسف : ١٨].
[إن سأل سائل] فقال : كيف وصف الدم بأنه كذب ، والكذب من صفات الأقوال لا من صفات الأجسام؟ وأيّ معنى لوصفه الصبر بأنّه جميل؟ ومعلوم أنّ صبر يعقوب عليهالسلام على فقد ابنه يوسف لا يكون إلّا جميلا؟ ولم ارتفع الصبر؟ وما المقتضي لرفعه؟
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٦١ و ٦٩.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٦٩.