والجواب : يقال له : أمّا (كَذِبٍ) فمعناه مكذوب فيه وعليه ، مثل قولهم : هذا ماء سكب وشراب صبّ ؛ يريدون مصبوبا ومسكوبا ؛ ومثله : ماء غور ، ورجل صوم ، وامرأة نوح ، قال الشاعر :
تظلّ جيادهم نوحا عليهم |
|
مقلّدة أعنّتها صفونا (١) |
أراد بقوله : «نوحا» أي نائحة عليهم ، ومثله : «ما لفلان معقول» يريدون عقلا ، و «ما له على هذا الأمر مجلود» يريدون جلدا ، قال الشاعر :
حتّى إذا لم يتركوا لعظامه |
|
لحما ولا لفؤاده معقولا |
وأنشد أبو العبّاس ثعلب :
قد والذي سمك السّماء بقدرة |
|
بلغ العزاء وأدرك المجلود |
وقال الفرّاء وغيره : يجوز في النحو : «بدم كذبا» بالنصب على المصدر ؛ لأنّ «جآءوا» فيه معنى كذبوا كذبا ، كما قال تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (٢) فنصب ضبحا على المصدر ؛ لأنّ العاديات بمعنى الضابحات ، وإنّما كان دما مكذوبا فيه ؛ لأنّ إخوة يوسف عليهالسلام ذبحوا سخلة ، ولطخوا قميص يوسف بدمها ، وجاؤوا أباهم بالقميص ، وادّعوا أكل الذئب له ، فقال لهم يعقوب : يا بنيّ ، لقد كان هذا الذئب رفيقا حين أكل ابني ، ولم يخرّق قميصه ؛ قالوا : بل قتله اللصوص ، قال : فكيف قد قتلوه وتركوا قميصه ، وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله! وقد قيل : إنّه كان في قميص يوسف ثلاث آيات : حين قدّ قميصه من دبر ، وحين ألقي على وجه أبيه فارتدّ بصيرا ، وحين جاؤوا عليه بدم كذب ؛ فتنبّه أبوه على أنّ الذئب لو أكله لخرق قميصه (٣).
__________________
(١) صفونا : جمع صافن ؛ والصافن من الخيل : القائم على ثلاث قوائم ، وقد أقام الرابعة على طرف الحافر ، والبيت لعمرو بن كلثوم ، من المعلقة ، وروايته فيها :
تركنا الخيل عاكفة عليه |
|
مقلّدة أعنّتها صفونا |
(وانظر المعلقات ـ بشرح التبريزي : ٢١٧).
(٢) سورة العاديات ، الآية : ١.
(٣) في حاشية بعض النسخ : قال السيد المرتضى رضى الله عنه : وقد قرئ : «دم كدب» وهو الدم المسفوح».