وقال آخر :
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها |
|
بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب (١) |
ولم يرد الكذب في الأقوال ؛ بل في التمنّي والأمل.
وليس لأحد أن يقول : كيف يجوز من أهل الآخرة مع معارفهم الضرورية ، وأنّهم عارفون بأنّ الرجوع لا سبيل إليه أن يتمنّوه ؛ وذلك أنّه غير ممتنع أن يتمنّى المتمنّي ما يعلم أنّه لا يحصل ولا يقع ؛ ولهذا يتعلّق التمني للشيء بألّا يكون ما قد كان. ولقوّة اختصاص التمنّي بما يعلم أنّه لا يكون غلط قوم فجعلوا إرادة ما علم المريد أنّه لا يكون تمنّيا ؛ فهذا الذي ذكرناه وجه في تأويل الآية.
وفي الناس من يجعل بعض الكلام تمنّيا وبعضه إخبارا ، وعلّق تكذيبهم بالخبر دون (لَيْتَنا) فكان تقدير الآية : يا ليتنا نرد ـ وهذا هو التمنّي ـ ثمّ قال من بعده : فإنّا (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، فأخبروا بما علم الله تعالى أنّهم فيه كاذبون ؛ وإن لم يعلموا من أنفسهم مثل ذلك ؛ فلهذا كذّبهم تعالى. وكلّ هذا واضح (٢).
ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥].
أنظر ص : ٣٤ من التنزيه : ١٣٦.
ـ (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣].
[إن سأل سائل] فقال : كيف يخبر عنهم بأنّهم لا يكذّبون نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومعلوم منهم إظهار التكذيب ، والعدول عن الاستجابة والتصديق ، وكيف ينفي عنهم
__________________
(١) البيت في اللسان (قرن) ، وكتاب سيبويه ١ / ٢٥٩ ، ٢ / ٦٥ ، وشاب قرناها : لقب لامرأة.
(٢) الأمالي ، ٢ : ٢٣٤.