الرؤيا وهو صبيّ غير نبيّ ولا موحى إليه ، فلا وجه في تلك الحال للقطع على صدقها وصحّتها.
والآخر : انّ أكثر ما في هذا الباب أن يكون يعقوب عليهالسلام قاطعا على بقاء ابنه ، وانّ الأمر سيؤول فيه إلى ما تضمّنته الرؤيا ، وهذا لا يوجب نفي الحزن والجزع ؛ لأنّا نعلم أنّ طول المفارقة واستمرار الغيبة يقتضيان الحزن ، مع القطع على أنّ المفارق باق يجوز أن يؤول حاله إلى القدوم؟ وقد جزع الأنبياء عليهمالسلام ومن جرى مجراهم من المؤمنين المطهّرين من مفارقة أولادهم وأحبائهم ، مع يقينهم بالالتقاء بهم في الآخرة والحصول معهم في الجنّة. والوجه في ذلك ما ذكرناه (١).
فإن قيل : فما بال يوسف عليهالسلام لم يعلم أباه بخبره لتسكن نفسه ويزول وجده وهمّه مع علمه بشدّة تحرّقه وعظم قلقه؟
الجواب : قلنا في ذلك وجهان :
أحدهما : إنّ ذلك كان له ممكنا وكان عليه قادرا ، فأوحى الله تعالى إليه بأن يعدل عن اطّلاعه على خبره تشديدا للمحنة عليه وتعريضا للمنزلة الرفيعة في البلوى وله تعالى أن يصعب التكليف وأن يسهّله.
والوجه الآخر : إنّه جائز أن يكون عليهالسلام لم يتمكّن من ذلك ولا قدر عليه فلذلك عدل عنه (٢).
ـ (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ ...) [يوسف : ٨٨].
أنظر النور : ٤٣ ، ٤٤ من الأمالي ، ٢ : ٢٦٠.
ـ (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف : ٩٢].
[إن سأل سائل عن هذه الآية] حاكيا عن يوسف عليهالسلام. فقال : لم خصّ «اليوم» بالقول ، وإنّما أراد العفو عنهم في جميع مستقبل أوقاتهم؟
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٧٠.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٨٧.