وأمّا وصف الصبر بأنّه جميل ، فلأنّ الصبر قد يكون جميلا وغير جميل ، وإنّما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله ، وفعل للوجه الذي وجب ، فلمّا كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صحّ وصفه بذلك. وقد قيل إنّه أراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع ، ولو لم يصفه بذلك لظنّ مصاحبة الشكوى والجزع له. وأمّا ارتفاع قوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فقد قيل إنّ المعنى : وشأني صبر جميل ، أو الذي أعتقده صبر جميل. وقال قطرب : معناه فصبري صبر جميل ؛ وأنشدوا :
شكا إليّ جملي طول السّرى |
|
يا جملي ليس إليّ المشتكى |
الدّرهمان كلّفاني ما ترى |
|
صبر جميل فكلانا مبتلى |
معناه : فليكن منك صبر جميل. وقد روي أنّ في قراءة أبيّ «فصبر جميلا» بالنصب ، وذلك يكون على الإغراء ، والمعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا ، قال ذو الرّمة :
ألا إنّما ميّ ـ فصبرا ـ بليّة |
|
وقد يبتلى الحرّ الكريم فيصبر (١) |
وقال الآخر :
أبى الله أن يبقى لحيّ بشاشة |
|
فصبرا على ما شاءه الله لي صبرا (٢) |
[انظر أيضا البقرة : ٢٦ و ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧ رسالة انقاذ البشر من الجبر والقدر].
ـ (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)) [يوسف : ١٩ ـ ٢٠].
[وفيها أمران :
الأوّل :] فان قيل : كيف صبر يوسف عليهالسلام على العبودية ، ولم لم ينكرها ويبرأ من الرقّ؟ وكيف يجوز على النبي الصبر على أن يستعبد ويسترقّ؟
__________________
(١) ديوانه : ٢٢٥.
(٢) الأمالي ، ١ : ١٢٤.