ـ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)) [الأنعام : ٢٣ ـ ٢٤].
[كذا] قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨)) [الأنعام : ٢٧ ـ ٢٨].
[إن سأل سائل] فقال : كيف يقع من أهل الآخرة نفي الشرك عن أنفسهم ، والقسم بالله تعالى عليه وهم كاذبون في ذلك ؛ مع أنّهم عندكم في تلك الحال لا يقع منهم شيء من القبيح لمعرفتهم بالله تعالى ضرورة ؛ ولأنّهم ملجؤون هناك إلى ترك جميع القبائح ، وكيف قال من بعد : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فشهد عليهم بالكذب ؛ ثمّ علّقه بما لا يصحّ فيه معنى الكذب وهو التمنّي ؛ لأنّهم تمنّوا ولم يخبروا!.
الجواب : قلنا : أوّل ما نقوله : إنّه ليس في ظاهر الآية ما يقتضي أنّ قولهم : (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) إنّما وقع في الآخرة دون الدنيا ؛ وإذا لم يكن ذلك في الظاهر جاز أن يكون الإخبار يتناول حال الدنيا ، وسقطت المسألة ؛ وليس لأحد أن يتعلّق في وقوع ذلك في الآخرة بقوله تعالى قبل الآية : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (١) وأنّه عقّب ذلك بقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) ؛ فيجب أن يكون الجميع مختصا بحال الآخرة ؛ لأنّه لا يمنع أن يكون الآية تتناول ما يجرى في الآخرة ، ثمّ تتلوها آية تتناول ما يجرى في الدنيا ؛ لأنّ مطابقة كل آية لما قبلها في مثل هذا غير واجبة ، وقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) لا تدلّ أيضا على أنّ ذلك يكون واقعا بعد ما خبّر تعالى عنه في الآية الأولى ؛ فكأنّه تعالى قال على هذا الوجه : إنّا نحشرهم في الآخرة ونقول : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ وما كان فتنتهم وسبب ضلالهم في الدنيا إلّا قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٢٢.