المسألة ، فأمّا الجواب عن قولهم : أن الأصل الاباحة فهو كذلك إلا أنّا نرجع عن حكم الأصل بالأدلة القاطعة وقد ذكرناها (١).
ـ (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [المائدة : ١٠٣].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ...) [المائدة : ١١٠].
أنظر مريم : ٢٨ و ٢٩ من الأمالي ، ٢ : ١٧٠.
ـ (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١١٦].
[فيها أمران :]
[الأوّل : فان قيل : ما معنى هذه الآية] وليس يخلو من أن يكون عيسى عليهالسلام ممّن قال ذلك ، أو يجوز أن يقوله ؛ وهذا خلاف ما تذهبون إليه في الأنبياء عليهمالسلام ، أو يكون ممّن لم يقل ذلك ولا يجوز أن يقوله ؛ فلا معنى لاستفهامه تعالى منه وتقريره؟ ثمّ أيّ معنى في قوله : (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)؟ وهذه اللفظة لا تكاد تستعمل في الله تعالى.
الجواب : قلنا : إنّ قوله تعالى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) ليس باستفهام على الحقيقة وإن كان خارجا مخرج الاستفهام ، والمراد به تقريع من ادّعى ذلك عليه من النصارى وتوبيخهم وتأنيبهم وتكذيبهم ، وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره : «أفعلت كذا وكذا»؟ وهو يعلم أنّه لم يفعله ، ويكون مراده تقريع من ادّعى ذلك عليه ، وليقع الانكار والجحود ممّن خوطب بذلك فيبكت من ادّعاه عليه.
__________________
(١) الانتصار : ١٨٦.