حسن على الوجه الأول ؛ ولهذا نظائر في الاستعمال مشهورة مذكورة (١).
فأمّا الخبر الذي ذكره السائل فتأويله ظاهر ، وهو خارج على مذهب العرب في مثل هذا الباب معروف ؛ ومعناه أنّ من ذكرني في نفسه جازيته على ذكره لي ، وإذا تقرّب باسمه اتساعا ، كما قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٢) ؛ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) (٣) ، (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٤) ؛ وكما قال الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب. ولمّا أراد تعالى المبالغة في وصف ما يفعله به من الثواب والمجازاة على تقرّبه بالكثرة والزيادة ؛ كنّى عن ذلك بذكر المسافة المتضاعفة فقال : «باعا وذراعا» إشارة إلى المعنى من أبلغ الوجوه وأحسنها (٥).
ـ (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة : ١١٨].
[فان قيل : ما معنى هذه الآية ،] وكيف يجوز هذا المعنى مع علمه عليهالسلام بأنّه تعالى لا يغفر للكفار؟
الجواب : قلنا : المعنى بهذا الكلام تفويض الأمر إلى مالكه وتسليمه إلى مدبّره ، والتبرّي من أن يكون إليه شيء من أمور قومه. وعلى هذا يقول أحدنا : ـ إذا أراد أن يتبرّأ من تدبير أمر من الأمور ويسلم منه ويفوّض أمره إلى غيره ـ «هذا الأمر لا مدخل لي فيه فإن شئت أن تفعله ، وإن شئت أن تتركه» مع علمه وقطعه على أنّ أحد الأمرين لا بدّ أن يكون منه. وإنّما حسن منه ذلك لمّا أخرج كلامه مخرج التفويض والتسليم.
وقد روي عن الحسن أنّه قال : معنى الآية إن تعذّبهم فبإقامتهم على كفرهم ، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم ، فكأنّه اشترط التوبة وإن لم يكن الشرط ظاهرا في الكلام.
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٣١٧ وراجع أيضا التنزيه : ١٤٥.
(٢) سورى الشورى ، الآية : ٤٠.
(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٣٠.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٥.
(٥) الأمالي ١ : ٣١٩.