وممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول : بأنّ كفارة الجزاء على الترتيب دون التخيير ومثاله أنّهم يوجبون في النعامة مثلا بدنة ، فان لم يجد اطعم ستين مسكينا ، فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين ، ورويت الموافقة للامامية عن ابن عباس وابن سيرين ، أنهما قالا ذلك على الترتيب ، فلا يجوز أن يطعم مع القدرة على إخراج المثل ولا أن يصوم مع القدرة على الاطعام (١) ، وباقي الفقهاء يقولون ذلك على التخيير (٢). دليلنا إجماع الطائفة ، فان قيل : ظاهر القرآن يخالف مذهبكم ؛ لأنّه تعالى قال : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ، ولفظة «أو» تقتضي التخيير قلنا : ندع الظاهر للدلالة كما تركنا ظاهر إيجاب الواو للجمع وحملناها على التخيير في قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٣) ويكون معنى «أو كذا» إذا لم تجد الأوّل (٤).
ـ (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المائدة : ٩٦].
[فيها أمران :]
[الأوّل : قال الناصر رحمهالله :] «الدم كلّه نجس».
عندنا : أنّ دم السمك طاهر ، لا بأس بقليله وكثيره في الثوب ، وكذلك ما لا دم له سائل نحو البراغيث والبقّ ؛ وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه (٥).
وقال مالك في دم البراغيث : إنّه إذا تفاحش غسل ، وإذا لم يتفاحش لا بأس به (٦).
وقال : يغسل دم السّمك ، والذباب.
وسوّى الشافعي بين الدّماء كلّها في النجاسة (٧).
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٣.
(٢) نفس المصدر.
(٣) سورة النساء ، الآية : ٣.
(٤) الانتصار : ١٠١.
(٥) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ١ : ١٥٢.
(٦) نفس المصدر.
(٧) نفس المصدر.