الحال لا تكليف فيها ، والعباد ملجئون عند مشاهدة أحوالهم إلى الاعتراف والإقرار.
وأحسن من هذا التأويل أن يحمل (يُؤْذَنُ) ، على معنى أنّه لا يستمع لهم ، ولا يقبل عذرهم ، والعلة في امتناع قبول عذرهم هي الّتي ذكرناها (١).
ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)) [هود : ١٠٦ ـ ١٠٨].
[إن سأل سائل] فقال : ما معنى الاستثناء هاهنا والمراد الدوام والتأبيد؟ ثمّ ما معنى التمثيل بمدة السماوات والأرض التي تفنى وتنقطع؟.
الجواب : قلنا : قد ذكر في هذه الآية وجوه :
أوّلها : أن تكون «إلّا» ـ وإن كان ظاهرها الاستثناء ـ فالمراد بها الزيادة ؛ فكأنّه تعالى قال : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من الزيادة لهم على هذا المقدار ؛ كما يقول الرجل لغيره : لي عليك ألف دينار إلّا الألفين الذين أقرضتكهما وقت كذا وكذا ، فالألفان زيادة على الألف بغير شكّ ؛ لأنّ الكثير لا يستثنى من القليل ؛ وهذا الجواب يختاره الفرّاء وغيره من المفسّرين.
والوجه الثاني : أن يكون المعنى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من كونهم قبل دخول الجنّة والنار في الدنيا ؛ وفي البرزخ الذي هو ما بين الحياة والموت وأحوال المحاسبة والعرض وغير ذلك ؛ لأنّه تعالى لو قال : خالدين فيها أبدا ، ولم يستثن لتوهّم متوهّم أنّهم يكونون في الجنّة والنار من لدن نزول الآية ، أو من بعد انقطاع التكليف ، فصار للاستثناء وجه ، وفائدة معقولة.
والوجه الثالث : أن تكون «إلّا» بمعنى الواو ؛ والتأويل : (خالِدِينَ فِيها ما
__________________
(١) الأما لي ، ١ : ٦٨.