منهم في ذلك اليوم ، ولا يؤذن لهم فيه ، وبعضها ينبئ عن خلافه. وقد قال قوم من المفسّرين في تأويل هذه الآيات : إنّ يوم القيامة يوم طويل ممتدّ ، فقد يجوز أن يمنع النّطق في بعضه ، ويؤذن لهم في بعض آخر.
وهذا الجواب يضعّف ، لأنّ الإشارة إلى يوم القيامة بطوله ، فكيف تجوز أن تجعل الحالات فيه مختلفة ؛ وعلى هذا التأويل يجب أن يكون قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) في بعضه ، والظاهر بخلاف ذلك.
والجواب السديد عن هذا أن يقال : إنّما أراد الله تعالى نفي النّطق المسموع المقبول الذي ينتفعون به ، ويكون لهم في مثله عذر أو حجّة ، ولم ينف النطق الذي ليست هذه حاله ، ويجري هذا مجرى قولهم : خرس فلان عن حجّته ، وحضرنا فلانا يناظر فلانا فلم يقل شيئا ، وإن كان الذي وصف بالخرس عن الحجّة ، والذي نفي عنه القول قد تكلّم بكلام كثير غزير ، إلّا أنّه من حيث لم يكن فيه حجّة ، ولا به منفعة جاز إطلاق القول الذي حكيناه عليه ؛ ومثل هذا قول الشاعر (١) :
أعمى إذا ما جارتي خرجت |
|
حتّى يواري جارتي الخدر |
ويصمّ عمّا كان بينهما |
|
سمعي وما بي غيره وقر |
وقال الآخر :
لقد طال كتمانيك حتّى كأنّني |
|
بردّ جواب السّائلي عنك أعجم |
وعلى هذا التأويل قد زال الاختلاف ، لأنّ التساؤل والتلاؤم لا حجّة فيه. وأمّا قوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) ، فقد قيل : إنّهم غير مأمورين بالاعتذار ، فكيف يعتذرون؟
ويجاب بحمل الإذن على الأمر ؛ وإنّما لم يؤمروا به من حيث كانت تلك
__________________
(١) هو مسكين الدارمي ؛ وهو ربيعة بن عامر بن أنيف ؛ والبيان في (معجم الأدباء : ١١ / ١٣٢).
وفي حاشية بعض النسخ : «قبلهما» :
ما ضرّ جارا لي أجاوره |
|
ألّا يكون لبابه ستر |