الجواب : قيل له : إنّ يوسف عليهالسلام في تلك الحال لم يكن نبيّا على ما قاله كثير من الناس ، ولمّا خاف على نفسه القتل جاز أن يصبر على الاسترقاق. ومن ذهب إلى هذا الوجه يتناول قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١) على أنّ الوحي لم يكن في تلك الحال ، بل كان في غيرها. ويصرف ذلك إلى الحال المستقبلة المجمع على أنّه كان فيها نبيا.
ووجه آخر : وهو أنّ الله تعالى لا يمتنع أن يكون أمره بكتمان أمره والصبر على مشقّة العبودية إمتحانا وتشديدا في التكليف ، كما امتحن أبويه إبراهيم واسحق عليهماالسلام ، أحدهما بنمرود ، والآخر بالذبح.
ووجه آخر : وهو أنّه يجوز أن يكون قد خبّرهم بأنه غير عبد ، وأنكر عليهم ما فعلوا من استرقاقه ، إلّا أنّهم لم يسمعوا منه ولا أصغوا إلى قوله ، وإن لم ينقل ذلك ، فليس كل ما جرى في تلك الأزمان قد اتّصل بنا.
ووجه آخر : وهو أنّ قوما قالوا : إنّه خاف القتل ، فكتم أمر نبوّته وصبر على العبودية ، وهذا جواب فاسد ؛ لأنّ النبيّ عليهالسلام لا يجوز أن يكتم ما أرسل به خوفا من القتل ؛ لأنّه يعلم انّ الله تعالى لم يبعثه للأداء إلّا وهو عاصم له من القتل حتّى يقع الأداء وتسمع الدعوة ، وإلّا لكان ذلك نقضا للغرض (٢).
[الثاني :] وأمّا قوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) والعرب تقول في الشيء القليل أنه معدود إذا أرادوا الإخبار عن قلته ، وقال جلّ اسمه في موضع آخر : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٣). وأظنّهم ذهبوا في وصف القليل بأنّه معدود من حيث كان العدّ والحصر لا يقع إلّا على القليل ؛ والكثير لكثرته لا ينضبط ولا ينحصر (٤).
ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف : ٢٤].
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ١٥.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٧٢.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٠٣.
(٤) الرسائل ، ٤ : ١٦٩.