[فإن قيل : فما تأويل قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليهالسلام وامرأة العزيز].
الجواب : إنّ الهم في اللغة ينقسم إلى وجوه :
منها : العزم على الفعل ؛ كقوله تعالى : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (١) أي أرادوا ذلك وعزموا عليه.
قال الشاعر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني |
|
تركت على عثمان تبكي حلائله (٢) |
ومثله قول الخنساء :
وفضّل مرداسا على الناس حلمه |
|
وأن كلّ همّ همّه فهو فاعله (٣) |
ومثله قول حاتم الطائي :
ولله صعلوك يساور همّه |
|
ويمضي على الأيّام والدّهر مقدما (٤) |
ومن وجوه الهمّ : خطور الشيء بالبال وإن لم يقع العزم عليه. قال الله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) (٥) وإنما أراد تعالى أنّ الفشل خطر ببالهم ، ولو كان الهمّ في هذا المكان عزما ، لما كان الله تعالى ولاهما (٦) ؛ لأنّه تعالى يقول : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧) وإرادة المعصية ، والعزم عليها معصية. وقد تجاوز ذلك قوم حتّى قالوا : انّ العزم على الكبيرة كبيرة ، وعلى الصغيرة صغيرة ، وعلى الكفر كفر. ولا يجوز أن يكون الله
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١١.
(٢) البيت لضابئ بن الحرث البرجمي راجع لسان العرب ٥ : ١٢٤.
(٣) راجع بلاغات النساء ١ : ٨٢.
(٤) ضبطه مختلف فيه يعلم بمراجعة الأغاني ٢ : ١٩٥ و ١٩٧ والحماسة البصرية ١ : ١١٧.
(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٢.
(٦) كذا في النسخ والظاهر. «لما كان الله تعالى وليّهما».
(٧) سورة الأنفال ، الآية : ١٦.