الولاية التمكين من إقامة الحقّ ودفع الباطل ، ثم قضى بعد ذلك حاجات الاخوان على وجه يحسن ويستحقّ الثواب والشكر ، فهذه الولاية وقعت في الاصل ، ويجوز أن يسقط عقابها ويتمحّص عن فاعلها ، بأن يفعل طاعة قصدها ويكون تلك الطاعة هي قضاء حاجات إخوان المؤمنين ، وهذا واضح.
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطاهرين (١).
ـ (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) [يوسف : ٥٦].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [يوسف : ٥٩].
فإن قيل : فما الوجه في طلب يوسف عليهالسلام أخاه من إخوته ثم حبسه له عن الرجوع إلى أبيه مع علمه بما يلحقه عليه من الحزن ، وهل هذا إلّا إضرارا به وبأبيه؟
الجواب : قلنا : الوجه في ذلك ظاهر ؛ لأنّ يوسف عليهالسلام لم يفعل ذلك إلّا بوحي من الله إليه ، وذلك امتحان منه ، لنبيّه يعقوب عليهالسلام وابتلاء لصبره ، وتعريض للعالي من منزلة الثواب ، ونظير لك امتحانه له عليهالسلام بأن صرف عنه خبر يوسف عليهالسلام طول تلك المدّة حتّى ذهب بالبكاء عليه [بصره] ، وإنما أمرهم يوسف عليهالسلام بأن يلطفوا بأبيهم في إرساله من غير أن يكذّبوه ويخدعوه.
فإن قيل : أليس قد قالوا : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٢) ، والمراودة هي الخداع والمكر.
قلنا : ليس المراودة ما ظننتم ، بل هي التلطّف والتسبّب والاحتيال ، وقد يكون ذلك من جهة الصدق والكذب جميعا ، فإنّما أمرهم بفعله على أحسن الوجوه فإن خالفوه فلا لوم إلّا عليهم (٣).
__________________
(١) الرسائل ، ٢ : ٨٩.
(٢) سورة يوسف ، الآية : ٦١.
(٣) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٨٥.