وقال الآخر :
لا أفتأ الدّهر أبكيهم بأربعة |
|
ما اجترّت النّيب أو حنّت إلى بلد (١) |
وقال زهير منبئا عن اعتقاده دوام الجبال ، وأنّها لا تفنى ولا تتغيّر :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا |
|
ولا خالدا إلّا الجبال الرّواسيا (٢) |
فهذا وجه.
وقيل أيضا في ذلك : أنّه أراد به الشرط ، وعنى بالآية دوام السماوات والأرض المبدّلتين ؛ لأنّه تعالى قال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (٣) ، فأعلمنا تعالى أنّهما تبدّلان ؛ وقد يجوز أن يديمهما بعد التغيير أبدا بلا انقطاع ؛ وإنّما المنقطع هو دوام السماوات والأرض قبل التبديل والفناء.
ويمكن أيضا أن يكون المراد : أنّهم خالدون بمقدار مدّة السماوات والأرض التي يعلم الله تعالى انقطاعها ثمّ يزيدها الله تعالى على ذلك ويخلّدهم ، ويؤيّد مقامهم وهذا الوجه يليق بالأجوبة التي تتضمّن أنّ الاستثناء أريد به الزيادة على المقدار المتقدّم لا النقصان (٤).
ـ (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣].
وممّا ظن انفراد الإمامية به منعهم من الايتمام في الصلاة بالفاسق ، ومالك يوافقهم في هذه المسألة (٥) ، وباقي الفقهاء يجيزون الايتمام في الصلاة بالفاسق (٦) ، دليلنا الاجماع المتكرر ، وطريقة اليقين ببراءة الذمّة ، وأيضا قوله
__________________
في حقه قبيحا ؛ كذا ذكره صاحب اللسان واستشهد بالبيت. والأطيط : صوت الإبل من ثقل أحمالها.
(١) الجرة : ما تخرجه الإبل من أجوافها ، وتعيد مضغه. وفي حاشية بعض النسخ : يعني بأربعة أحجبة العين ؛ كما قال :
يا عين بكّي عند كلّ صباح |
|
جودي بأربعة على الجرّاح |
(٢) ديوانه : ٢٨٨.
(٣) إبراهيم : ٤٨.
(٤) الأمالي ، ٢ : ٧٧.
(٥) المغني (لابن قدامة) ٢ : ٢٢.
(٦) نفس المصدر.