وليس يمكن أن يقال : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن يعرف المنافقين بأعيانهم ؛ لأنّ القرآن يشهد بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد كان يعرفهم قال الله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (١) وليس بصحيح أن تتوجّه إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه العبارة فيهم إلّا مع المعرفة والتمييز ، وقال جلّ وعزّ : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٢) وفي هذا تصريح بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعرفهم ، وكل ما ذكرناه واضح لمن يتدبّره (٣).
ـ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ١٠٠].
أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.
ـ (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (٤) (...) [التوبة : ١١١].
أنظر البقرة : ٧٢ ، ٧٣ من الأمالي ، ٢ : ١٩٢.
ـ (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التوبة : ١١٤].
[فان قيل :] وكيف يجوز أن يستغفر لكافر أو أن يعده بالاستغفار؟.
الجواب : قلنا : معنى هذه الآية أنّ أباه كان وعده بأن يؤمن وأظهر له الإيمان على سبيل النفاق ، حتّى ظنّ أنّه الخير ، فاستغفر له الله تعالى على هذا الظنّ ، فلمّا تبيّن له أنّه مقيم على كفره رجع عن الاستغفار له وتبرّأ منه على ما نطق به القرآن. فكيف يجوز أن يجعل ذلك ذنبا لإبراهيم عليهالسلام وقد عذره الله تعالى في [قوله :] انّ استغفاره إنّما كان لأجل موعدة ، وبأنّه تبرّأ منه لمّا تبيّن له منه المقام على عداوة الله تعالى.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٨٤.
(٢) سورة محمّد ، الآية : ٣٠.
(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ١ : ١٣٩.
(٤) على قراءة الكسائي وأبي العبّاس ثعلب.