الإكراه ؛ لأنّ إظهار كلمة الكفر قد تحسن في بعض الأحوال إذا تعبّد الله تعالى بإظهارها ؛ وقوله : (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) يقوّي هذا الوجه أيضا.
فإن قيل : فكيف يجوز من نبيّ من أنبياء الله أن يتعبّد بإظهار الكفر وخلاف ما جاء به من الشّرع؟
قلنا : يجوز أن يكون لم يرد بالاستثناء نفسه بل قومه ؛ فكأنّه قال : وما يكون لي ولا لأمّتي أن نعود فيها إلّا أن يشاء الله أن يتعبّد أمتي بإظهار ملّتكم على سبيل الإكراه ؛ وهو جائز غير ممتنع (١).
ـ (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) [الأعراف : ٩٢].
غني الرجل بالمكان إذا طال مقامه به ، ومنه قيل : المغني والمغاني ، قال الله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) (٢) ، أي لم يقيموا بها ، وقال الأسود بن يعفر الإياديّ :
ولقد غنوا فيها بأنعم غنية |
|
في ظلّ ملك ثابت الأوتاد |
وقول الأعشى الذي أنشده أبو عبيد وهو :
وكنت امرأ زمنا بالعراق |
|
عفيف المناخ طويل التّغنّ |
بطول المقام أشبه منه بالاستغناء ، لأنّ المقام يوصف بالطول ولا يوصف الاستغناء بذلك ، فكأنّ الأعشى أراد : إنّني كنت ملازما لوطني ، مقيما بين أهلي ، لا أسافر للانتجاع والطّلب.
ـ (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا ...) [الأعراف : ٩٥].
... قال زهير :
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم |
|
بلى وغيّرها الأرواح والدّيم (٣) ... |
ولا شبهة في أنّ «عفا» من حروف الأضداد التي تستعمل تارة في الدروس ،
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٣٨٥.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٩٢.
(٣) ديوانه : ١٤٥.