جميعا على ملة واحدة غير مختلفة ؛ لأنّه لمّا قال تعالى حاكيا عنهم : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) كان معناه : أو لنكوننّ على ملة واحدة غير مختلفة ، فحسن أن يقول من بعد : إلّا أن يشاء الله أن يجمعكم معناه على ملة واحدة.
فإن قيل : الاستثناء بالمشيئة إنّما كان بعد قوله : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) ؛ فكأنّه قال : ليس نعود فيها إلّا أن يشاء الله ، فكيف يصحّ هذا الجواب؟
قلنا : هو كذلك ؛ إلّا أنه لمّا كان معنى (أَنْ نَعُودَ فِيها) ، هو أن تصير ملتنا واحدة غير مختلفة جاز أن يوقع الاستثناء على المعنى فيقول : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن نتّفق في الملّة بان ترجعوا أنتم إلى الحقّ.
فإن قيل : فكأنّ الله تعالى ما شاء أن ترجع الكفّار إلى الحقّ!
قلنا : بلى قد شاء ذلك ، إلّا أنّه ما شاءه على كلّ حال ، بل من وجه دون وجه ، وهو أن يؤمنوا ويصيروا إلى الحقّ مختارين ؛ ليستحقّوا الثواب الذي أجري بالتكليف إليه ، ولو شاءه على كلّ حال لما جاز أن لا يقع منهم ؛ فكأنّ شعيبا عليهالسلام قال : إن ملّتنا لا تكون واحدة أبدا ؛ إلّا أن يشاء الله أن يلجئكم إلى الاجتماع معنا على ديننا وموافقتنا في ملتنا ؛ والفائدة في ذلك واضحة ؛ لأنّه لو أطلق أنّا لا نتفق أبدا ، ولا تصير ملتنا واحدة لتوهّم متوهّم أنّ ذلك ممّا لا يمكن على حالّ من الأحوال ؛ فأفاد بتعليقه له بالمشيئة هذا الوجه ؛ ويجري قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) مجرى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١).
وسادسها : أن يكون المعنى إلّا أن يشاء الله أن يمكّنكم من إكراهنا ، ويخلّي بينكم وبينه ، فنعود إلى إظهارها مكرهين ؛ ويقوّي هذا الوجه قوله تعالى : (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) (٢).
وسابعها : أن يكون المعنى إلّا أن يشاء الله أن يتعبّدنا بإظهار ملّتكم مع
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ٩٩.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٨٨.