أبا لأراجيز يابن اللّؤم توعدني |
|
وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور (١) |
وقد فسر هذا على وجهين :
أحدهما : على الغاء «خلت» من حيث توسّطت الكلام ؛ فيكون «في الأراجيز» على هذا في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ.
والوجه الثاني : على إعمال «خلت» فيكون «في الأراجيز» في موضع نصب من حيث وقع موقع المفعول الثاني. وهذا بيّن لمن تدبّره (٢).
ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة : ٦٤].
[فيها أمران : الأوّل : إن سأل سائل] فقال : ما اليد التي أضافتها اليهود إلى الله تعالى ، وادّعوا أنّها مغلولة؟ وما نرى أنّ عاقلا من اليهود ولا غيرهم يزعم أنّ لربّه يدا مغلولة ، واليهود تتبرّأ من أن يكون منها قائل بذلك ؛ وما معنى الدعاء عليهم ب (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [وهو تعالى ممّن لا يصحّ أن] يدعو على غيره؟ لأنّه تعالى قادر على أن يفعل ما يشاء ، وإنّما يدعو الداعي بما لا يتمكّن من فعله طلبا له.
الجواب : قلنا : يحتمل أن يكون قوم من اليهود وصفوا الله تعالى بما يقتضي تناهي مقدوره فجرى ذلك مجرى أن يقولوا : إنّ يده مغلولة ، لأنّ عادة الناس جارية بأن يعبّروا بهذه العبارة عن هذا المعنى ، فيقولون : يد فلان منقبضة عن كذا ، ويده لا تنبسط إلى كذا ، إذا أرادوا وصفه بالفقر والقصور ، ويشهد بذلك قوله تعالى في موضع آخر : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) (٣) ، ثمّ قال تعالى مكذبا لهم : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ، أي أنّه لا يعجزه شيء ، وثنّى اليدين تأكيدا للأمر ، وتفخيما له ؛ ولأنّه أبلغ في المعنى المقصود من أن يقول : بل يده مبسوطة.
__________________
(١) البيت للعين المنقري يهجو العجاج ؛ وهو من شواهد الكتاب (٦٠ / ١).
(٢) الأمالي ، ٢ : ١٥٧.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٨١.