كأفكل وأيدع (١) ؛ وكذلك «عبد» وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء فلم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة ، وإذا لم يخرج عن أن يكون صفة لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على «فعل».
وهذا كلام مفيد في الاحتجاج لحمزة ؛ فإذا صحّت قراءة حمزة وعادلت قراءة الباقين المختارة ، وصحّ أيضا سائر ما روي من القراءات التي حكاها السائل كان الوجه الأوّل الذي ذكرناه في الآية يزيل الشبهة فيها.
ويمكن في الآية وجه آخر على جميع القراءات المختلفة «في عبد الطّاغوت» : وهو أن يكون المراد بجعل منهم عبد الطاغوت ؛ أي نسبه إليهم ، وشهد عليه بكونه من جملتهم. ول «جعل» مواضع قد تكون بمعنى الخلق والفعل ؛ كقوله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (٢) ؛ وكقوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) (٣) وهي هاهنا تتعدّى إلى مفعول واحد ؛ وقد تكون أيضا بمعنى التسمية والشهادة ؛ كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٤) ؛ وكقول القائل : جعلت البصرة بغداد ، وجعلتني كافرا ، وجعلت حسني قبيحا ؛ وما أشبه ذلك ؛ فهي هاهنا تتعدّى إلى مفعولين.
ول «جعل» مواضع أخر لا حاجة بنا إلى ذكرها ؛ فكأنّه تعالى قال : ونسب عبد الطاغوت إليهم ، وشهد أنّهم من جملتهم.
فإن قيل : لو كانت «جعل» هاهنا على ما ذكرتم لوجب أن يكون متعدّية إلى مفعولين ؛ لأنّها إذا لم تتعدّ إلّا إلى مفعول واحد فلا معنى لها إلّا الخلق.
قلنا : هذا غلط من متوهّمه ؛ لأنّ «جعل» هاهنا متعدّية إلى مفعولين ، وقوله تعالى : (مِنْهُمُ) يقول مقام المفعول الثاني عند جميع أهل العربية ، لأنّ كلّ جملة تقع في موضع خبر المبتدأ فهي تحسن أن تقع في موضع المفعول الثاني ؛ كجعلت وظننت وما أشبههما. وقال الشاعر :
__________________
(١) الأفكل : الرعدة ، والأيدع : صبغ أحمر ؛ وهو المسمى دم الأخوين.
(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١.
(٣) سورة النحل ، الآية : ٨١.
(٤) سورة الزخرف ، الآية : ١٩.