كانا جميعا ينبئان عن الغرض ويدلّان على المقصود ، ألا ترى أنّهم يقولون : «جئتك لتكرمني» ، كما تقولون : «جئتك أن تكرمني»؟ والمعنى أنّ غرضي الكرامة ، فإذا جاز أن يحذفوا أحد الحرفين جاز أن يحذفوا الآخر.
ثانيها : أنّ اللام هاهنا لام العاقبة وليست لام الغرض ، ويجري مجرى قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (١) وهم لم يلتقطوه لذلك بل لخلافه ، غير أنّ العاقبة لمّا كانت ما ذكره ، حسن إدخال اللام ، ومثله قول الشاعر :
وللموت تغذو الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدّور تبنى المساكن (٢) |
ونظائر ذلك كثيرة ، فكأنّه تعالى لمّا علم أنّ عاقبة أمرهم الكفر ، وأنّهم لا يموتون إلّا كفّارا ، وأعلم ذلك نبيّه ، حسن أن يقول : إنّك آتيتهم الأموال ليضلّوا.
وثالثها : أن يكون مخرج الكلام مخرج النفي والانكار على من زعم أنّ الله تعالى فعل ذلك ليضلّهم ، ولا يمتنع أن يكون هناك من يذهب إلى مذهب المجبّرة في أنّ الله تعالى يضلّ عن الدين ، فردّ بهذا الكلام عليه كما يقول أحدنا : «إنّما أتيت عبدي من الأموال ما آتيته ليعصيني ولا يطيعني» ، وهو إنّما يريد الإنكار على من يظنّ ذلك به ، ونفي إضافة المعصية إليه.
وهذا الوجه لا يتصوّر إلّا على الوجهين : إمّا بأن يقدّر فيه الاستفهام وإن حذف حرفه ، أو بأن يكون اللام في قوله : «ليعصيني» لام العاقبة الّتي قد تقدّم بيانها. ومتى رفعنا من أوهامنا هذين الوجهين ، لم يتصوّر أن يكون الكلام خارجا مخرج النفي والانكار.
ورابعها : أن يكون أراد الاستفهام ، فحذف حرفه المختصّ به ، وقد حذف حرف الاستفهام في أماكن كثيرة من القرآن.
__________________
(١) سورة القصص ، الآية ، ٨.
(٢) البيت لسابق البربري راجع العقد الفريد ، ١ : ١١٣.