فإن قيل : فقد قال الله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) (١) وهو عموم في جميع ما شربوا وعالجوه بأيديهم.
قلنا : يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم ، ونحمل هذه الآية على أنّ المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب وما يملكونه دون ما هو سؤر أو ما عالجوه بأجسامهم على أنّ في طعام أهل الكتاب ما يغلب على الظنّ أنّ فيه خمرا أو لحم خنزير فلا بدّ من إخراجه مع هذا الظاهر ، وإذا أخرجناه من هذا الظاهر لأجل النجاسة وكان سؤرهم على ما بيّناه نجسا أخرجناه أيضا من الظاهر (٢).
ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ...) [التوبة : ٢٨].
انظر كهف : ٥٦ إلى ٧٠ من التنزيه : ١١٨.
ـ (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩].
أنظر المقدّمة الثانية ، الأمر السادس.
ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٠].
[إن سأل سائل] فقال : أيّ معنى لقوله : (بِأَفْواهِهِمْ) ومعلوم أنّ القول لا يكون إلّا بالأفواه؟
الجواب : قلنا : المقول يحتمل معنيين في لغة العرب : أحدهما : القول باللّسان ، والآخر : بالقلب ، فالقول الذي يضاف إلى القلب هو الظّنّ والاعتقاد ، ولهذا المعنى ذهبت العرب بالقول مذهب الظنّ فقالوا : أتقول عبد الله خارجا؟
ومتى تقول محمدا منطلقا؟ يريدون : متى تظنّ؟ قال الشاعر؟
أما الرّحيل فدون بعد غد |
|
فمتى تقول الدّار تجمعنا! (٣) |
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٥.
(٢) الانتصار : ١٠ وراجع أيضا الناصريات : ٨٤.
(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، ديوانه : ٣٩٤.