أراد : فمتى تظنّ الدار!
وقال الآخر :
أجهّالا تقول بني لؤيّ |
|
لعمر أبيك أم متجاهلينا! (١) |
أراد : تظنّ بني لؤيّ.
وقال توبة بن الحميّر :
ألا يا صفيّ النّفس كيف تقولها |
|
لو أنّ طريدا خائفا يستجيرها (٢) |
تخبّر إن شطّت بها غربة النّوى |
|
ستنعم ليلى أن يفكّ أسيرها |
أراد : كيف تظنها؟
فلمّا كان القول يستعمل في الأمرين معا أفاد قوله تعالى : (بِأَفْواهِهِمْ) قصر المعنى على ما يكون باللسان دون القلب ، ولو أطلق القول ، ولم يأت بذكر الأفواه لجاز أن يتوهّم المعنى الآخر.
وممّا يشهد لذلك قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (٣) ، فلم يكذّب تعالى قول ألسنتهم : لأنّهم لم يخبروا بأفواههم إلّا بالحقّ ، بل كذّب ما يرجع إلى قلوبهم من الاعتقادات.
ووجه آخر : وهو أن تكون الفائدة في قوله تعالى : (بِأَفْواهِهِمْ) أنّ القول لا برهان عليه ، وأنّه باطل كذب لا يرجع فيه إلّا إلى مجرّد القول باللسان ؛ لأنّ الإنسان قد يقول بلسانه الحقّ والباطل ، وإنّما يكون قوله حقّا إذا كان راجعا إلى قلبه ، فتكون إضافة القول إلى اللسان تقتضي ما ذكرناه من الفائدة ، وهذا كما يقول القائل لمن يشكّ في قوله أو يكذبه : هكذا تقول بلسانك ، وليس الشأن فيما تقوله وتتفوّه به وتقلّب به لسانك ؛ فكأنّهم أرادوا أن يقولوا : هذا قول لا برهان
__________________
(١) البيت للكميت بن زيد الأسدي ؛ وهو من (شواهد ابن عقيل على الألفية : ١ / ٣٩٧).
(٢) البيتان من قصيدة طويلة ؛ ذكرت بتمامها في تزيين الأسواق ٩٦ ـ ٩٨.
(٣) سورة المنافقون ، الآية : ١.