فإن قيل : كيف يقول : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) وعندكم أنّ امتناع القبيح منه عليهالسلام ليس مشروطا بارتفاع الكيد عنه بل هو ممتنع منه وإن وقع الكيد؟
قلنا : إنّما أراد يوسف عليهالسلام انّك متى لم تلطف بي لما تدعوني إلى مجانبة الفاحشة وتثّبتني على تركها صبوت ، وهذا منه انقطاع إلى الله تعالى وتسليم لأمره ، وانّه لو لا معونته ولطفه ما نجّي من الكيد [ولا شبهة في أن النبيّ عليهالسلام انّما يكون معصوما عن القبائح بعصمة الله تعالى ولطفه وتوفيقه.
فان قيل : الظاهر خلاف ذلك لأنّه قال : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) فيجب أن يكون المراد ما يمنعه من الكيد ويدفعه ، والذي ذكرتموه من انصرافه عن المعصية لا يقتضي ارتفاع الكيد والانصراف عنه؟ قلنا :] (١) والكلام وإن تعلّق في الظاهر بالكيد نفسه فالمراد به : إلّا تصرف عني ضرر كيدهن ؛ لأنّهن إنّما أجرين بالكيد إلى مساعدته لهنّ على المعصية ، فإذا عصم منها ولطف له في الانصراف عنها كان الكيد مصروفا عنه من حيث لم يقع ضرره وما أجري به إليه ، ولهذا يقال لمن أجرى بكلامه إلى غرض لم يقع : ما قلت شيئا ؛ ولمن فعل ما لا تأثير له : ما فعلت شيئا. وهذا بيّن والحمد لله تعالى (٢).
ـ (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف : ٣٥]
أنظر المائدة : ٦ ، الأمر الثاني من الرسائل ، ٣ : ١٦١.
ـ (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف : ٤٢].
فإن قيل : كيف يجوز على يوسف عليهالسلام وهو نبيّ مرسل ان يعوّل في إخراجه من السجن على غير الله تعالى ويتّخذ سواه وكيلا في ذلك ، في قوله للذي كان معه : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) حتّى وردت الروايات أنّ سبب طول حبسه عليهالسلام إنّما كان لأنّه عوّل على غير الله تعالى؟.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٤.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٨٢ وراجع أيضا الأمالي ، ١ : ٤٦٢.