ذلك ؛ على أنّ تحريمه تعالى الميتة إنّما المراد به الأفعال في عين الميتة دون غيرها من أكل ، وبيع ، وتصرف ، وانتفاع ؛ والماء الذي تجاوره الميتة ليس بميتة ، فيجب أن يكون موقوفا في طهارته أو نجاسته على الدلالة ، ولم يعدّده الله تعالى في المحرّمات من المطعومات ، فيجب أن يكون طاهرا.
وأيضا فقد روى أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله» (١).
وذلك عموم في الحيّ والميّت ، فدلّ على أنّ حصولها في الماء لا ينجّسه ، ولأنّ المقل يوجب الموت ألا ترى أنّه إذا مقلها في طعام شديد الحرارة فإنّها تموت في الحال. ولم يفصّل عليهالسلام بين الحارّ والبارد ، [فلو كان موتها يوجب النجاسة لم أمر عليهالسلام بمقلها مع علمه بأنّه يوجب موتها؟].
وفي خبر آخر ، روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «كلّ طعام أو شراب وقعت فيه دابّة ليس لها دم فهو الحلال أكله ، وشربه ، والوضوء منه» (٢) (٣).
ـ (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١٤٨].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [الأنعام : ١٥١].
[إن سأل سائل] كيف يجوز أن يكون من جملة ما حرّم علينا ألّا نشرك به شيئا ؛ والأمر بالعكس من ذلك.
الجواب : قيل له : هذا سؤال من لا تأمّل عنده بموضوع الآية وترتيب خطابها ؛ لأنّ التحريم المذكور فيها لا يجوز البتّة على مذهب أهل العربية أن يكون متعلّقا بقوله : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ؛ وإنّما هو من صلة الجملة الأولى ؛
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ١ : ٣٩.
(٢) سنن البيهقي ، ١ : ٢٥٣.
(٣) الناصريات : ٩٦.