وهذا تأويل يوافق الظاهر ، ولا يحتاج معه إلى أن نقول : إن جزاء الحسنات يذهبن جزاء السيّئات.
وأمّا تأويل الآيات الباقيات فتبيّن بما تقدّم ، وهو أن إبطال العمل واحباطه عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه المنتفع به ؛ لأن أحدنا لو جعل لغيره عوضا على نقل تراب أو غيره من موضع إلى موضع معيّن ؛ لكان إنّما يستحقّ العوض إذا نقله إلى ذلك المكان المعيّن ، ولو نقله إلى غيره لقيل : أحبطت عملك وأبطلته وأفسدته من حيث أوقعت على وجه لا يستحقّ به نفعا وأعدلت عن الوجه الّذي يستحقّ معه النفع.
ومعلوم أنه هاهنا ما كان يستحقّ شيئا فأبطله وأحبطه ، بل المعنى ما ذكرناه ، فلما كانت الصدقة إنّما يستحقّ بها الثواب إذا خلصت لوجه الله تعالى ، فإذا فعلت بالمنّ والاذى خرجت عن الوجه الّذي يستحقّ معه الثواب فقيل : بطلت.
وكذلك رفع الصوت على صوت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لو وقع على سبيل الإجابة له والمسارعة إلى امتثال أمره لاستحقّ به الثواب ، وإذا وقع على خلاف ذلك بطل الفعل وانحبط.
وكذلك لمن عبّد مع الله تعالى شريكا يوصف عمله بالبطلان والانحباط ؛ لأنه وقع على وجه لا ينتفع به ، ولو أخلص العبادة لله تعالى وأفردها لانتفع بها (١).
ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٨ ـ ١١٩].
[ان سأل سائل فقال :] ظاهر هذه الآية يقتضي أنّه تعالى ما شاء أن يكونوا أمة واحدة وأن يجتمعوا على الإيمان والهدى ؛ وهذا بخلاف ما تذهبون إليه ؛ ثمّ قال : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) فلا يخلو من أن يكون عني أنّه للاختلاف خلقهم ، أو للرحمة ؛ ولا يجوز أن يعني الرحمة ؛ لأنّ الكناية عن الرحمة لا تكون بلفظه
__________________
(١) الذخيرة : ٣١١.