ولا معنى لقول من حمل الآية على الفجر والمغرب ؛ لأنّ المغرب ليس هو في طرف النهار ، وإنّما هو طرف الليل ، بدلالة أنّ الصائم يحلّ له الافطار في ذلك الوقت ، والافطار لا يحلّ في بقيّة النّهار.
وأيضا ؛ فإنّ قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١) ، فظاهر هذا الكلام يقتضي أنّ وقت الظهر ابتداؤه من دلوك الشمس وهو زوالها ، وأنّه يمتد إلى غسق الليل ، وخرج منه بالدليل والاجماع وقت غروب الشمس ، فبقي ما قبله (٢).
[الثاني :] فان استدلّوا على التحابط بقوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) الآية وبقوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٣) ، وقوله تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٤) ، وقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٥).
والجواب عن ذلك : أنه لو كان لهذه الآيات ظواهر تقتضي بطلان ما ذهبنا إليه من نفي التحابط لوجب أن تحمل على خلاف ظواهرها ، للأدلّة العقلية التي لا يحتمل ولا يدخل المجاز (٦). فكيف ولا ظاهر لها إلّا وهو إلى أن يشهد بصحّة قولنا أقرب ؛ لأن الاحباط المذكور في جميع الآيات معلّق بالأعمال دون الجزاء عليها ، وخصومنا يذهبون إلى التحابط بين الجزاء على الأعمال ، فلا شاهد لهم في شيء منها.
وإذا أمكننا تأويل هذه الآيات من غير عدول عن ظواهرها كنا أولى منهم بها.
ومعنى قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) أن من استكثر من الحسنات وأدمن على فعلها ، كان ذلك لطفا له في الامتناع من السّيئات.
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٧٨.
(٢) الناصريات : ١٨٩.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٦٤.
(٤) سورة الحجرات ، الآية : ٢.
(٥) سورة الزمر ، الآية : ٦٥.
(٦) كذا في المطبوعة.