أمير المؤمنين عليهالسلام بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل ذلك وتجعلوها راجعة إلى اختيار الرسول ؛ لأنها مشبّهة بها ومحمولة عليها ، ومذهبكم يخالف ذلك.
قلنا : أليس قد بيّنا فيما تقدم أنّه لا معتبر في باب حمل منازله عليهالسلام على منازل هارون من موسى بالأسباب والعلل والجهات ، وأن التشبيه وقع بين المنازل أو ثبوتها لا بين جهاتها وأشبعنا القول في ذلك فكيف يلزمنا ما ظننته؟ وإنّما جاز أن يكون استخلاف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته موقوفا على اختياره واستخلافه بعد وفاته بنصّ من الله تعالى ؛ لأنّ خليفته في حياته لا يجب أن يكون معصوما ولا حجّة ، وخليفته بعد موته لا بدّ من كونه كذلك ، فالنص عليه من الله تعالى واجب.
فأمّا قول صاحب الكتاب : «إن الاستخلاف إنّما يوصف بأنّه منزلة متى وجبت لسبب ، فأمّا إذا وقع بالاختيار على وجه كان يجوز أن لا يحصل فلا يكاد يقال : «إنه منزلة» فإنه كثيرا ما يدّعي في هذه الطريقة بما لا يزيد فيه على الدّعوى ، ويتحجّر في قصرها على أمر واحد من غير دليل ولا شبهة ، وهذا يشبه ما ذكره متقدّما من أن المنزلة لا تستعمل إلّا بمعنى المحلّ والموقع من القلب دون ما يرجع إلى الولايات ، وقد بيّنا بطلان ما ظنّه بما يبيّن أيضا بطلان دعواه هذه ؛ لأنّه قد يقال : فلان بمنزلة فلان ، وقد أنزلت زيدا منزلة عمرو في الأمور ، والولايات التي ليست بواجبة كنحو الوكالة والوصيّة ، والتفضل بالعطية ، وغير ذلك ممّا لا سبب يوجبه فكيف يدّعي أن اللفظ يختصّ بما له سبب وجوب ، والعرف يشهد باستعمالها في الكلّ ، وفيما قد أوردناه كفاية في فساد جميع ما تعلّق به في هذا الباب (١).
ـ (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ١٤٣].
__________________
(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٣ : ٥ إلى ٧١.