فعليهم الدلالة ، ولا يتمكّنون من دلالة ، وإنّما يفزعون إلى خبر واحد أو قياس ، وما فيهما ما يوجب العلم فيترك له ظاهر القرآن (١).
[الثاني :] وممّا إنفردت به الإمامية القول بأنّ الكلب إذا أكل من الصيد نادرا أو شاذا وكان الأغلب أنّه لا يأكل حدّ الأكل من ذلك الصيد وإن كثر أكله منه وتكرّر ، فإنّه لا يؤكل منه.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلّم فلا يؤكل ، ويؤكل صيد البازي وإن أكل ، وهو قول الثوري (٢).
وقال مالك والأوزاعي والليث يؤكل وإن أكل الكلب منه (٣) ، وقال الشافعي : لا يؤكل إذا أكل الكلب منه والبازي مثله (٤) ، وإنّما كان هذا إنفرادا ؛ لأنّ من قال من الفقهاء أنّه يؤكل من الصيد وإن أكل منه ، لم يشترط ما شرطناه من الأقل والأغلب بل أطلق فصار الذي شرطناه إنفرادا في هذه المسألة. والذي يدلّ على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة عليه أنّ أكل الكلب من الصيد إذا تردّد وتكرّر ، دلّ على أنّه غير معلم ، والتعليم شرط في إباحة صيد الكلب بلا خلاف ، وبدلالة قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) وإذا تتابع أكل الكلب من الصيد دلّ على أنّه غير معلّم فلا يحل أكل صيده ؛ ولأنّه إذا توالي أكله منه لا يكون ممسكا له على صاحبه ، بل يكون ممسكا له على نفسه ... (٥)
ـ (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [المائدة : ٥].
أنظر المائدة : ٩٦ الأمر الثاني من الانتصار : ١٨٨.
ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ
__________________
(١) الانتصار : ١٨٢.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ١١١ : ٨ و ١١.
(٣) بداية المجتهد ، ١ : ٤٧٩.
(٤) المغني (لابن قدامة) ، ١١ : ١١.
(٥) الانتصار : ١٨٥.