فالذي أتى به حقّ صحيح ، وإن كان الذي أتى به فاسدا ؛ فلا بدّ من أن يكون في شيء من ذلك كاذبا ؛ وهو تأويل من لا يتحقق المعاني.
والوجه الخامس : أن يكون المعنى في قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) أن تكذيبك راجع إليّ ، وعائد عليّ ؛ ولست المختصّ به ؛ لأنّه رسول فمن كذّبه فهو في في الحقيقة مكذّب لله تعالى ورادّ عليه. وهذا كما يقول أحدنا لرسوله : امض في كذا فمن كذّبك فقد كذّبني ، ومن دفعك فقد دفعني ؛ وذلك من الله على سبيل التسلية لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ والتعظيم والتغليظ لتكذيبه.
والوجه السادس : أن يريد : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) في الأمر الذي يوافق فيه تكذيبهم ، وإن كذّبوك في غيره.
ويمكن في الآية وجه سابع : وهو أن يريد تعالى أنّ جميعهم لا يكذّبونك وإن كذّبك بعضهم ؛ فهم الظالمون الذين ذكروا في آخر الآية بأنّهم يجحدون بآيات الله ؛ وإنّما سلّى نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا القول وعزّاه ؛ فلا ينكر أن يكون موسى عليهالسلام لما استوحش من تكذيبهم له وتلقّيهم إيّاه بالردّ ؛ وظنّ أنّه لا متّبع له منهم ، ولا ناصر لدينه فيهم أخبره الله تعالى بأنّ البعض وان كذّبك فإنّ فيهم من يصدّقك ويتّبعك وينتفع بإرشادك وهدايتك ؛ وكلّ هذا واضح والمنة لله (١).
ـ (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأنعام : ٣٧].
إذا كان الفعل قد صحّ منه تعالى وجب أن يسمّى «قادرا» ؛ لأن اللغة توجب وصف من صحّ منه الفعل بأنه قادر.
ويجب أن نصفه بأنه قادر فيما لم يزل ولا يزال ؛ لأن الفعل إذا صحّ منه تعالى لما يرجع إلى ذاته وما هو عليه في ذاته حاصل في كلّ حال. وإنّما لم يصحّ وجود الفعل فيما لم يزل لأمر يرجع إلى الفعل ، كما أن أحدنا قادر على ما يوجد بعد أوقات كثيرة وان لم يصحّ وجود ذلك في الثاني لأمر يرجع إلى المقدور لا إلى الصفة المصحّحة لإيجاد الفعل (٢).
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٢٢٨.
(٢) الذخيرة : ٥٧٨.