وقال ذو الرمة :
تريك بياض لبّتها ووجها |
|
كقرن الشّمس أفتق ثمّ زالا (١) |
أي وجد فتقا من السحاب.
وليس لأحد أن يجعل هذا الوجه مختصّا بالقراءة بالتخفيف دون التشديد ؛ لأنّ في الوجهين معا يمكن هذا الجواب ، لأنّ «أفعلت» و «فعلت» يجوزان في هذا الموضع ، و «أفعلت» هو الأصل ثمّ شدّد تأكيدا وإفادة لمعنى التكرار ؛ وهذا مثل أكرمت وكرّمت ، وأعظمت وعظّمت ، وأوصيت ووصّيت ، وأبلغت وبلّغت ؛ وهو كثير قال الله تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (٢) ؛ إلّا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه ؛ لأنّ استعمال هذه اللفظة مخفّفة في هذا المعنى أكثر.
والوجه الرابع : ما حكى الكسائيّ من قوله : إنّ المراد أنّهم لا ينسبونك إلى الكذب فيما أثبت به ؛ لأنّه كان أمينا صادقا لم يجرّبوا عليه كذبا ؛ وإنّما كانوا يدفعون ما أتى به ، ويدّعون أنّه في نفسه كذب ؛ وفي الناس من يقوّي هذا الوجه ، وأنّ القوم كانوا يكذّبون ما أتى به ، وإن كانوا يصدّقونه في نفسه بقوله تعالى : (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) وبقوله تعالى : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) (٣) ولم يقل : وكذّبك قومك. وكان الكسائيّ يقرأ : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) بالتخفيف ونافع من بين سائر السبعة ، والباقون على التشديد ؛ ويزعم أنّ بين أكذبه وكذّبه فرقا ، وأنّ معنى أكذب الرجل ، أنّه جاء بكذب ، ومعنى كذّبته أنّه كذّاب في كلّ حديثه. وهذا غلط وليس بين «فعّلت» و «أفعلت» في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى أكثر ممّا ذكرناه من أنّ التشديد يقتضي التكرار والتأكيد ، ومع هذا لا يجوز أن يصدّقوه في نفسه ، ويكذّبوا بما أتى به ؛ لأنّ من المعلوم أنه عليهالسلام كان يشهد بصحّة ما أتى به وصدقه ، وأنّه الدين القيّم ، والحقّ الذي لا يجوز العدول عنه ؛ وكيف يجوز أن يكون صادقا في خبره وكان الذي أتى به فاسدا! بل إن كان صادقا
__________________
(١) ديوانه : ٤٣٤.
(٢) سورة الطارق ، الآية : ١٧.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٦٦.