وقال محمد بن كعب القرظيّ : معناها لا يبطلون ما في يديك ؛ وكلّ ذلك يقوّي هذا الوجه ؛ وسنبيّن أنّ معنى هذه اللفظة مشدّدة ترجع إلى معناها مخفّفة.
والوجه الثالث : أن يكون معنى الآية أنّهم لا يصادفونك ولا يلفونك متقوّلا ؛ كما يقولون : قاتلته فما أجبنته ، أي ما وجدته جبانا ، وحادثته فما أكذبته ؛ أي لم ألفه كاذبا ؛ وقال الأعشى :
أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا |
|
فمضى وأخلف من قتيلة موعدا (١) |
أراد أنّه صادف منها خلفا المواعيد ، ومثله قولهم : أصممت القوم ؛ إذا صادفتهم صمّا ، وأخليت الموضع ، إذا صادفته خاليا ؛ وقال الشاعر :
أبيت مع الحدّاث ليلي فلم أبن |
|
فأخليت فاستجمعت عند خلائيا |
أي أصبت مكانا خاليا.
ومثله لهميان بن أبي قحافة :
يسنّ أنيابا له لوامجا (٢) |
|
أوسعن من أشداقه المضارجا (٣) |
يعني ب «أوسعن» أصبن منابت واسعة فنبتن فيها.
وقال عمرو بن براق :
تحالف أقوام عليّ ليسمنوا |
|
وجرّوا عليّ الحرب إذ أنا سائم (٤) |
يقال : أسمن بنو فلان ، إذا رعت إبلهم فصادفوا فيها سمنا.
وقال أبو النجم :
مستأسدا ذبابه في غيطل |
|
يقلن للرائد أعشبت أنزل (٥) |
أي أصبت مكانا معشبا.
__________________
(١) ديوانه : ١٥٠.
(٢) اللمج : الأكل.
(٣) المضارج : الثياب المشوقه ؛ والبيت في اللسان (ضرج).
(٤) البيت في الأغاني ٢١ / ١١٤.
(٥) الطرائف الأدبية ٥٩.