وهذا السؤال وإن لم يكن داخلا في علم الكلام ، فإنّ كثرة العلم وجودة الطبع يوسّع للمسؤول إذا كانت هذه حالة المقال ويضرب له المثال.
الجواب :
عن الريح المهلكة لعاد المدّمرة عليهم ما الوجه في كيفية نجاة هود عليهالسلام منها ، ومن نجاة من نجى بنجاته من أهله وأصحابه ، مع عموم الريح الأماكن كلّها.
فالجواب عندي : أنّه غير ممتنع أن يكون هود عليهالسلام ومن كان في صحبته بحيث لم تهبّ فيه هذه الريح المهلكة ، والله تعالى قادر على أن يخصّ بالريح أرضا دون أرض ، ويكف عن هود عليهالسلام ومن معه عند هبوبها وتأثير اعتمادها ، فلا يلحقهم من الضرر بها وان هبّت بينهم كما لحق من هلك ، كما أنّه تعالى كفّ إحراق النار عن إبراهيم عليهالسلام وبردها في جسمه وإن كان حاصلا فيها ، وكلّ ذلك جائز واضح (١).
ـ (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : ٦٩].
[فان قيل :] وكيف يحضر إبراهيم عليهالسلام للملائكة الطعام وهو يعلم أنّها لا تطعم؟ ومن أيّ شيء كانت مخافته منهم لمّا امتنعوا من تناول الطعام؟ وكيف يجوز أن يجادل ربّه فيما قضاه وأمر به؟.
الجواب : قلنا : أمّا وجه تقديم الطعام فلأنّه عليهالسلام لم يعلم في الحال أنّهم ملائكة ؛ لأنّهم كانوا في صورة البشر فظنّهم أضيافا ، وكان من عادته عليهالسلام إقراء الضيف ، فدعاهم إلى الطعام ليستأنسوا به وينبسطوا ، فلمّا امتنعوا أنكر ذلك منهم ، وظنّ أنّ الامتناع لسوء يريدونه ، حتّى خبّروه بأنّهم رسل الله تعالى أنفذهم لإهلاك قوم لوط عليهالسلام.
وأمّا الحنيذ : فهو المشويّ بالأحجار. وقيل : إنّ الحنيذ الذي يقطر ماؤه ودسمه. وقد قيل : إنّ الحنيذ هو النّضيج.
__________________
(١) الرسائل ، ٣ : ٩٤.