وأنشد أبو العبّاس :
إذا ما اختبطنا اللحم للطّالب القرى |
|
حنذناه حتّى يمكن اللحم آكله |
فإن قيل : فكيف صدّقهم في دعواهم انّهم ملائكة؟.
قلنا : لا بدّ من أن يقترن بهذه الدعوى علم يقتضي التصديق ، ويقال : إنّهم دعوا الله بإحياء العجل الّذي كان ذبحه وشواه لهم ، فصار حيّا يرعى.
وأما قوله : (يُجادِلُنا) ، فقيل : معناه يجادل رسلنا ، وعلّق المجادلة به تعالى من حيث كانت لرسله ، وإنما جادلهم مستفهما منهم ؛ هل العذاب نازل على سبيل الاستيصال أو على سبيل التخويف؟ وهل هو عامّ للقوم أو خاصّ؟ وعن طريق نجاة لوط عليهالسلام وأهله المؤمنين بما لحق القوم؟ وسمّى ذلك جدالا لما كانت فيه من المراجعة والاستثبات على سبيل المجاز.
وقيل : إنّ معنى قوله : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) : يسائلنا أن نؤخّر عذابهم رجاء أن يؤمنوا أو أن يستأنفوا الصلاح. فخبّره الله تعالى بأنّ المصلحة في إهلاكهم ، وأنّ كلمة العذاب قد حقّت عليهم ، وسمّى المسألة جدالا على سبيل المجاز.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (١) فأتى بفعل مستقبل بعد «لمّا» ومن شأن ما يأتي بعدها ، أن يكون ماضيا.
قلنا : عن ذلك جوابان :
أحدهما : إنّ في الكلام محذوفا ، والمعنى : أقبل يجادلنا أو جعل يجادلنا ، وانّما حذفه لدلالة الكلام عليه واقتضائه له.
والجواب الآخر : أنّ لفظة (لمّا) يطلب في جوابها الماضي ، كطلب لفظة (إن) في جوابها المستقبل. فلمّا استحسنوا أن يأتوا في جواب (إن) بالماضي ، ومعناه الاستقبال ، لدلالة (أن) عليه ، استحسنوا أن يأتوا بعد (لمّا) الاستقبال تعويلا على
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ٧٤.