قوله «وأيّده بجنود لم تروها» وهم الملائكة وبدلالة أنّ الهاء من أوّل الآية إلى آخرها كناية عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم ينزل السكينة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في غير هذا المقام إلّا عمّت من كان معه من المؤمنين ، قال الله تعالى في يوم حنين : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١) وقال تعالى : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) وفي اختصاص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الغار بالسكينة دون من كان معه ما فيه (٣).
ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) [التوبة : ٤٣].
فإن قيل : فما وجه قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لمّا استأذنه قوم في التخلّف عن الخروج معه إلى الجهاد فأذن لهم أوليس العفو لا يكون إلّا عن الذنب؟ وقوله «لم أذنت» ظاهر في العتاب لأنّه من أخصّ ألفاظ العتاب؟
الجواب : قلنا أمّا قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) فليس يقتضي وقوع معصية ولا غفران عقاب ، ولا يمتنع ان يكون المقصود به التعظيم والملاطفة في المخاطبة ؛ لأنّ أحدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه : «أرأيت رحمك الله وغفر الله لك» وهو لا يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه ، بل ربّما لم يخطر بباله أنّ له ذنبا ، وإنّما الغرض الإجمالي في المخاطبة استعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب وتوقيره.
وأمّا قوله تعالى : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) فظاهره الاستفهام والمراد به التقريع واستخراج ذكر علّة إذنه ، وليس بواجب حمل ذلك على العتاب ؛ لأنّ أحدنا قد يقول لغيره : «لم فعلت كذا وكذا؟» تارة معاتبا ، وأخرى مستفهما ، وتارة مقرّرا ، فليس هذه اللفظة خاصة للعتاب والانكار. وأكثر ما يقتضيه وغاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالّة على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك الأولى والأفضل ، وقد بيّنا أن ترك
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٢٦.
(٢) سورة الفتح ، الآية : ٢٦.
(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٢٥.