تجويز ذلك تخصيص للعموم الذي يقتضيه إطلاق القول على أصله ، وليس يجب تقدّم المعرفة لنا بالمعروف والمنكر كما ظنّه ، بل لا ينكر أن يكون المراد أنّهم يأمرون بالمعروف الذي يعلمه الله تعالى كذلك ، وينهون عن المنكر على هذا السبيل ، فيكون اجتماعهم (١) على الأمر بالشيء دلالة على أنّه معروف ، ونهيهم عنه دلالة على أنّه منكر ، ولسنا نعلم من أي وجه يلزم أن يتقدّم علمنا بالمعروف والمنكر في هذا القول؟
[انظر أيضا مريم : ٢٨ و ٢٩ من الأمالي ، ٢ : ١٧٠.]
ـ (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران : ١٢٢].
انظر يوسف : ٢٤ من التنزيه : ٧٣.
ـ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) [آل عمران : ١٢٨].
[إن سأل سائل] فقال : كيف جاءت «أو» بعد ما لا يجوز أن يعطف عليه؟ وما الناصب لقوله تعالى : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) وليس في ظاهر الكلام ما يقتضي نصبه؟
الجواب : قلنا : قد ذكر في ذلك وجوه :
أوّلها : أن يكون قوله : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) معطوفا على قوله : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) والمعنى أنّه تعالى عجّل لكم هذا النصر ، ومنحكم به ليقطع طرفا من الذين كفروا ، أي قطعة منهم ، وطائفة من جمعهم أو يكبتهم أي يغلبهم ويهزمهم فيخيّب سعيهم ، ويكذّب فيكم ظنونهم ، أو يعظهم ما يرون من تظاهر آيات الله تعالى الموجبة لتصديق نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فيتوبوا ويؤمنوا فيقبل الله تعالى ذلك منهم ، ويتوب عليهم ، أو يكفروا بعد قيام الحجج ، وتأكيد البيّنات والدلائل ، فيموتوا أو يقتلوا كافرين ؛ فيعذّبهم الله تعالى باستحقاقهم في النار ؛ ويكون على هذا
__________________
(١) في نسخة : «اجماعهم».