الجواب قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معطوفا على قوله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ؛ أي ليس لك ولا لغيرك من هذا الأمر شيء ؛ وإنّما هو من الله تعالى.
والجواب الثاني : أن يكون (أَوْ) بمعنى «حتى» ، أو «إلّا أنّ» ؛ والتقدير : ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب عليهم ؛ أو إلّا أن يتوب عليهم ، كما قال امرؤ القيس :
بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه |
|
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا (١) |
فقلت له : لا تبك عيناك إنّما |
|
نحاول ملكا ، أو نموت فنعذرا |
أراد : إلّا أن نموت.
وهذا الجواب يضعّف من طريق المعنى ؛ لأنّ لقائل أن يقول : إنّ أمر الخلق ليس إلى أحد سوى الله تعالى قبل توبة العباد وعقابهم وبعد ذلك ؛ فكيف يصحّ أن يقول : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم ؛ حتى كأنّه إذا كان أحد الأمرين كان إليه من الأمر شيء!
ويمكن أن ينصر ذلك بأن يقال : قد يصحّ الكلام إذا حمل على المعنى ؛ وذلك أنّ قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معناه : ليس يقع ما تريده وتؤثره من إيمانهم وتوبتهم ، أو ما تريده من استئصالهم وعذابهم ، على اختلاف الرواية في معنى الآية وسبب نزولها ؛ إلّا بأن يلطف الله لهم في التوبة فيتوب عليهم أو يعذّبهم ؛ وتقدير الكلام : ليس يكون ما تريده من توبتهم أو عذابهم بك ، وإنّما يكون ذلك بالله تعالى.
والجواب الثالث : أن يكون المعنى : ليس لك من الأمر شيء أو من أن يتوب الله عليهم ؛ فأضمر «من» اكتفاء بالأولى ، وأضمر «أن» بعدها لدلالة الكلام
__________________
(١) ديوانه : ١٠٠. الدرب : باب السكة الواسع ؛ وهو هنا كل مدخل إلى الروم فهو درب ؛ وصاحبه عمرو بن قميئة الشاعر ؛ وكان رفيق امرئ القيس في رحلته.