أن غيرهم بمنزلتهم؟ والإشارة التي تشبّث بها في إحدى الآيتين مثلها في الأخرى ؛ لأنّ قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) يجري في الإشارة مجرى قوله : (كُنْتُمْ) وترجيحه الآية التي اعتمدها مع اعترافه بالإشارة فيها بقوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ) بناء على ما تقدّم من الكلام ، فإذا كان قوله تعالى (جَعَلْناكُمْ) يقتضي التخصيص من حيث الإشارة على ما ذكره في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) فما هو بناء عليه ، ومتعلّق به من قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) جار مجراه في الخصوص ؛ لأنّ الاعتبار في العموم والخصوص بما تقدّم في الكلام دون ما هو مبنيّ عليه ، على أنّه إن رضي لنفسه بما ذكره فليرض بمثله إذا قال له خصمه ، وكذلك قوله تعالى : (كُنْتُمْ) وإن كان فيه معنى الإشارة فقد تلاه ما يقتضي العموم ، ويخرج عن معنى التخصيص من قوله : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
فأمّا قوله : وقوله تعالى : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ليس فيه دلالة على أنهم لا يأمرون إلّا به حتى يستدل باتفاقهم على الأمر بالشيء على أنّه حقّ ، وإنما يبيّن بذلك أنّ هذه طريقة لهم ، وسجيّتهم على طريقة المدح ، فلا يمنع من أن يقع منهم خلافه إذا لم يخرجهم من طريقة المدح ؛ ولأن ذلك يوجب تقدّم المعرفة بالمعروف والمنكر ، ويخرج بذلك أمرهم من أن يكون دالّا على أن المأمور به من قبلهم معروف ، والمنهي عنه من قبلهم منكر ، فكذلك قوله تعالى : (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ليس فيه دلالة على أنّهم خيار عدول في كلّ شيء ، وفي كلّ حال ، ولا أنّهم أيضا شهود بكلّ أمر وفي كلّ حال ، وليس يمتنع أن يخرجوا من أن يكونوا شهداء ، فلا يجب أن يكونوا عدولا ، على أنّه في هذا الكلام تارك لعموم القول بظاهره الذي لا يزال يتعلّق به ويعتمده ؛ لأنّ قوله تعالى : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إذا أخذ على عمومه لم يسغ (١) ما ذكره من التجويز عليهم أن يأمروا بغير المعروف ؛ لأنّ
__________________
(١) في نسخة «لم يسمع».