وقوله : «فإن قال : إذا أجمع (١) المصدّقون على شيء يعلم دخول هذه الجماعة فيهم فيصير الاجماع حجّة كما ذكرتم في الشهداء والمؤمنين ؛ قيل له : إنّما يصحّ ذلك ؛ لأنّهم وصفوا بصفة (٢) علمنا معها دخولهم تحت المصدّقين ، وخروجهم عمّن سواهم ، وليس كذلك الحال فيما تعلّقت به من هذه الآية ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون المراد بها من كان في عهد الرسول وعند نزول الخطاب ؛ لأنّهم في تلك الحال كانوا بهذه الصفة فمن أين أن غيرهم بمنزلتهم (٣)؟ وقوله تعالى : (كُنْتُمْ) يدلّ على ذلك ، ويفارق من هذا الوجه ما قدّمناه وهو قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ) ؛ لأنّ تلك الآية وإن كانت تقتضي الإشارة ففيها ما يدلّ على العموم وهو قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٤) وليس في هذه الآية ما يقتضي هذا المعنى» (٥).
فما نراه يخرج فيما يورده من الكلام على من تعلّق بالآية التي ذكرها عمّا يأتي على جميع ما اعتمده في الآية الأولى (٦) وحتّى كأنّه يناقض من تعلّق بالآيتين معا ، وإن استدلّ بالآية التي يضعف التعلّق بها أن يقول ليس المعني بها جميع المصدّقين ، بل من كان مؤمنا خيرا يستحقّ ما تضمنته الآية من الأوصاف ، ونعلم إجماعهم عند علمنا بإجماع المصدّقين الذين هم في جملتهم ، وما ذكره في الشهداء والمؤمنين من أنّهم وصفوا بصفة علمنا معها دخولهم تحت المصدّقين وخروجهم عمّن سواهم ، قائم في الآية الأخرى ؛ لأنّها تتضمّن من أوصاف المدح والتعظيم ما يقتضي كون المراد بها في جملة المصدّقين ، وإن لم يكن جميعهم ، ويقتضي أيضا خروجهم عمّن سواهم ، وتخصيصه الآية بمن كان في عصر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يلزمه مثله في الآية الأخرى ويقابل بمثل كلامه ، فيقال : قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) خطاب لمن كان في عهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنّهم كانوا في تلك الحال بهذه الصفة ، فمن أين
__________________
(١) في المغني : «اجتمع».
(٢) في المغني : «بصيغة».
(٣) في المغني : «بعينهم».
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٤٣.
(٥) المغني ١٧ : ١٩٧.
(٦) سورة البقرة ، الآية : ١٤٣.