جميعهم كحال واحدهم لو وصفت بهذه الصفة على ما قرّره ، فهكذا القول في الشهداء ؛ لأنّ أكثر ما تقتضيه الشهادة نفي الكبائر عن صاحبها دون الصغائر ، وحال الجميع في ذلك كحال الواحد أو الاثنين لو وصفا بهذه الصفة ، فإن خرجت احدى الآيتين من أن تدلّ على صحّة الاجماع خرجت الأخرى ، فإن أعاد هاهنا ما كنّا حكيناه عنه من أنّ تجويز الصغائر على الشهداء يخرجهم من أن يكونوا حجّة في شيء من أفعالهم وأقوالهم ، وقد ثبت بمقتضى الآية أنّهم حجّة ، فإذا ثبت ذلك ، ولم يكن بعض أقوالهم وأفعالهم بذلك أولى من بعض ، منعنا من وقوع الصغائر منهم.
قيل له : فكيف أنسيت هذا الضرب من الاستخراج في هذه الآية؟
وألا سوّغت من تعلّق بها أن يعتمد مثله! فيقول : قد ثبت أن قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) تقتضي كون الموصوفين بالآية حجّة ، وليس بعض أقوالهم وأفعالهم بذلك أولى من بعض ؛ لأنها لا تتميّز كتمييز بعض أفعال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيجب نفي الصغائر عنهم ، وألّا خرجت جميع أقوالهم وأفعالهم من أن تكون حجّة.
وقد كنّا أبطلنا هذه الطريقة عند اعتصامه بها في الآية المتقدّمة ، وبيّنّا فسادها ، فلا حاجة بنا إلى إعادة كلامنا عليها ، وإنّما قصدنا بما أوردناه هاهنا إلزامه تصحيح التعلّق بالآيتين ، أو إطراحهما والكشف عن دخول ما طعن به في إحداهما على الأخرى ، والصحيح ما بيّنّاه من فساد التعلّق بكلّ واحدة منهما في صحّة الاجماع.
فأما قوله : «على أنّ قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) إن كانت إشارة إلى جميع المصدّقين فالمتعالم من حال كثير منهم خلافه ، وإن كانت إشارة إلى غيرهم فذلك مجهول لا يعلم به حال جماعة مخصوصة يصير إجماعها حجّة» (١).
__________________
(١) المغني ١٧ : ١٩٧.