وهذا الجواب يضعّف ؛ لأنّ حرف الاستفهام لا يكاد يحذف إلّا وفي الكلام دلالة عليه وعوض عنه ، مثل قول الشاعر :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط |
|
غلس الظّلام من الرّباب خيالا (١) |
لأنّ لفظة «أم» يقتضي الاستفهام ، وقد سأل «أبو علي الجبّائيّ» نفسه عن هذا السؤال في التفسير ، وأجاب عنه : بأن في الآية ما يدلّ على حذف حرف الاستفهام ، وهو دليل العقل الدالّ على أنّ الله تعالى لا يضلّ العباد عن الدّين. ودليل العقل أقوى ممّا يكون في الكلام دالا على حرف الاستفهام.
وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ دليل العقل وإن كان أقوى من كل دليل يصحب الكلام ، فإنّه ليس يقتضي في الآية أن يكون حرف الاستفهام منها محذوفا لا محالة ؛ لأنّ العقل إنّما يقتضي تنزيه الله تعالى عن أن يكون مجرّبا بشيء من أفعاله إلى إضلال العباد عن الدين ، وقد يمكن صرف الآية إلى ما يطابق دليل العقل من تنزيهه تعالى عن القبيح ، من غير أن يذكر الاستفهام ويحذف حرفه ، وإذا كان ذلك ممكنا لم يكن في العقل دليل على حذف حرف الاستفهام ، وانّما يكون فيه دليل على ذلك لو كان يتعذّر تنزيهه تعالى عن إرادة الضلال ، إلّا بتقدير الاستفهام.
فأمّا قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فأجود ما قيل فيه : إنّه عطف على قوله : (لِيُضِلُّوا) وليس بجواب لقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) وتقدير الكلام (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ). وهذا الجواب يطابق أن يكون اللام للعاقبة ، وأن يكون المعنى فيها لئلّا يضلّوا أيضا.
وقال قوم : إنّه أراد (فلن يؤمنوا) فأبدل الألف من النون الخفيفة ، كما قال الأعشى :
__________________
(١) البيت للأحظل ، تقدّم تخريجه في سورة الأنعام ، الآيتان : ٨٦ ـ ٨٧.