قال أبو إسحاق الزجّاج في كتابه في معاني القرآن : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) نسق على «من لّعنه الله» قال : وقد قرئت «عبد الطّاغوت» ؛ «وعبد الطّاغوت» والذي اختاره «وعبد الطّاغوت».
وروي عن ابن مسعود رحمهالله : «وعبدوا الطّاغوت» فهذا يقوّي : «وعبد الطّاغوت» قال : ومن قرأ «وعبد الطّاغوت» بضم الباء وخفض الطاغوت فإنّه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين :
أحدهما : أن «عبد» على وزن «فعل» ، وليس هذا من أمثلة الجمع ؛ لأنهم فسّروه خدم الطاغوت.
والثاني : أن يكون محمولا على وجعل منهم عبدا للطّاغوت ثمّ خرّج لمن قرأ «وعبد» أنّه بلغ الغاية في طاعة الشيطان. وهذا كلام الزجّاج.
وقال أبو عليّ الحسن بن عبد الغفّار الفارسيّ محتجّا لقراءة حمزة : ليس «وعبد» لفظ جمع ؛ ألا ترى أنّه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء! ولكنه واحد يراد به الكثرة ؛ ألا ترى أنّ في الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع ، كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١) ، وكذلك قوله : «وعبد الطّاغوت» جاء على «فعل» لأنّ هذا البناء يراد به الكثرة والمبالغة ؛ وذلك نحو «يقظ وندس» ؛ فهذا كأنّ تقديره أنّه قد ذهب في عبادة الشيطان والتذلّل له كلّ مذهب.
قال : وجاء على هذا لأنّ «عبد» في الأصل صفة ، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء ، واستعمالهم إيّاه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة ؛ ألا ترى أنّ «الأبرق والأبطح» (٢) وإن كان قد استعملا استعمال الأسماء حتى كسّرا هذا النحو عندهم من التكسير في قولهم : «أبارق وأباطح» ؛ فلم يزل عنه حكم الصفة ، يدلّك على ذلك تركهم صرفه ، كتركهم صرف «أحمر» ولم يجعلوا ذلك
__________________
(١) سورة إبراهيم ، الآية : ٣٤.
(٢) الأبرق : أرض فيها حجارة سود وبيض ، والأبطح : الأرض المنبطحة.