[قال الشريف المرتضى رحمهالله] فأمّا تعلقه بإكرام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم للقوم وتعظيمه لهم ، وأن الخبر بذلك متواتر ، فمما لا يؤثر فيما ذهبنا إليه ؛ لأن جميع ما روي من التعظيم والإكرام ـ إذا صحّ ـ فليس يقتضي أكثر من حسن الظاهر وسلامته في الحال ، فأما أن ينفي ما يقع منهم في المستقبل من قبيح فغير متوهم ، وإذا كان دفع النصّ والعمل بخلافه إنّما وقع بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فكيف يكون مدحه في حياته لهم وإكرامه ينافيه ويمنع منه؟
فإن قال : إنما عنيت أن الاكرام والمدح والإعظام يمنع من وقوع النفاق في تلك الحال.
قيل له : ليس يجب بما وقع منهم من دفع النصّ أن يكونوا في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على نفاق ؛ لأنّ فيمن يقطع على أن دفع النصّ كفر من فاعله من لا يمنع من وقوعه بعد الإيمان الواقع على جهة الاخلاص ، فأمّا من ذهب إلى الموافاة ، فإنه يحتاج في منع وقوع الإيمان متقدّما إلى أن يثبت له كون دفع النصّ كفرا ، وأنه يخرج عن منزلة الفسق ويلحق بمنزلة الكفر ، ثم يثبت أن فاعله فارق الدنيا عليه ؛ لأنّه إن لم يثبت له ذلك لم يمتنع على مذهبه تقدم الإيمان ، على أنّه غير ممتنع عقلا أن يكون الرسول غير عالم ببواطن أصحابه وسرائرهم من خير وشرّ ، فيكون مدحه لهم على الظاهر ، وإذا انقطع العذر بالسمع الوارد بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يعرف بواطن بعضهم أمكن أن يقال : إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم علم بذلك في حال لم يكن منه بعدها مدح ولا تعظيم لمن علم سوء باطنه ؛ فإن الحال بعينها غير مقطوع عليها ويمكن أن يقال : إن ذلك قبل وفاته عليهالسلام بزمان يسير.
وقد قيل : إنّه غير ممتنع أن يمدح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من علم خبث باطنه إذا كان مظهرا للحق والدين ، كما أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مع علمه بالمنافقين وتمييزه لهم من جملة أصحابه قد كان يجري عليهم أحكام المؤمنين ، ولا يخالف بينهم في شيء منها إلّا فيما نطق به الكتاب ، من ترك الصلاة على أحدهم عند موته والقيام على قبره وإجراء أحكام المؤمنين عليهم ، ودعاؤهم في جملتهم ضرب من المدح والتعظيم فلئن جاز هذا جاز الأوّل.