تعالى وليّ من عزم على الفرار عن نصرة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإسلامه إلى السوء ، ومما يشهد أيضا بذلك قول كعب بن زهير :
فكم فيهم من سيّد متوسّع |
|
ومن فاعل للخير إن همّ أو عزم (١) |
ففرّق كما ترى بين الهمّ والعزم ، وظاهر التفرقة قد يقتضي اختلاف المعنى.
ومن وجوه الهمّ أن يستعمل بمعنى المقاربة ، فيقولون : هم بكذا وكذا أي كاد أن يفعله. قال ذو الرمة :
أقول لمسعود بجرعاء مالك |
|
وقد همّ دمعي أن يلج أوائله (٢) |
والدمع لا يجوز عليه العزم ، وإنّما أراد أنّه كاد وقرب.
وقال أبو الأسود الدؤلي :
وكنت متى تهمم يمينك مرّة |
|
لتفعل خيرا تقتفيها شمالكا (٣) |
وعلى هذا خرج قوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (٤) أي يكاد.
قال الحارثي :
يريد الرّمح صدر أبي براء |
|
ويرغب عن دماء بني عقيل |
ومن وجوه الهمّ : الشهوة وميل الطباع ؛ لأنّ الإنسان قد يقول فيما يشتهيه ويميل طبعه إليه : ليس هذا من همّي وهذا أهمّ الأشياء إليّ. والتجوّز باستعمال الهمّة مكان الشهوة ظاهر في اللغة. وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري قال : أمّا همّها فكان أخبث الهمّ ، واما همّه عليهالسلام فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء (٥).
فإذا كانت وجوه هذه اللفظة مختلفة متّسعة على ما ذكرناه نفينا عن نبيّ الله
__________________
(١) الفروق اللغوية ١ : ٣٥٧ عن ديوانه : ٦٩.
(٢) راجع الأغاني ٤ : ٤٩٩ وفيه : ان تسح أوائله.
(٣) راجع اللسان ٣ : ١٨٧. بلا غرو.
(٤) سورة الكهف ، الآية : ٧٧.
(٥) واختاره أبو علي الجبائي ، راجع الأمالي ، ١ : ٤٥٥.