ما لا يليق به وهو العزم على القبيح ، وأجزنا باقي الوجوه لأنّ كلّ واحد منها يليق بحاله.
فإن قيل : فهل يسوغ حمل الهمّ في الآية على العزم والارادة؟ ويكون مع ذلك لها وجه صحيح يليق بالنبي عليهالسلام؟.
قلنا : نعم ، متى حملنا الهمّ ههنا على العزم ، جاز أن نعلّقه بغير القبيح ونجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه ، كما يقول القائل : قد كنت هممت بفلان ، أي بأن أوقع به ضربا أو مكروها.
فإن قيل : فأيّ فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها؟
قلنا : يجوز أن يكون لمّا همّ بدفعها وضربها ، أراه الله تعالى برهانا على أنّه إن أقدم على من همّ به أهلكه أهلها وقتلوه ، أو أنّها تدّعي عليه المراودة على القبيح ، وتقذفه بأنّه دعاها إليه [وأن ضربه لها كان لا متناعها ، فيظنّ به ذلك من لا تأمل له ، ولا علم بأن مثله لا يجوز عليه ،] (١) فأخبر الله تعالى أنّه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمكروه [اللذين كانا يوقعان به ، لانهما يستحقّان الوصف بذلك من حيث القبح] (٢) ، أو ظنّ القبيح به أو اعتقاده فيه.
فإن قيل : هذا الجواب يقضي [انّ جواب] لفظة (لو لا) يتقدّمها في ترتيب الكلام ، ويكون التقدير «لو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بضربها» ، وتقدّم جواب (لو لا) قبيح ، أو يقتضي أن يكون (لو لا) بغير جواب.
قلنا : أمّا تقدّم جواب (لو لا) فجائز مستعمل ، وسنذكر ذلك فيما نستأنفه من الكلام عند الجواب المختصّ بذلك ، ونحن غير مفتقرين إليه في جوابنا هذا ؛ لأنّ العزم على الضرب والهمّ به قد وقع ، إلّا أنّه انصرف عنه بالبرهان الّذي رآه ، ويكون تقدير الكلام وتلخيصه : «ولقد همّت به وهمّ بدفعها لو لا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك». فالجواب المتعلّق بلو لا محذوف [والكلام يقتضيه] ، كما
__________________
(١ ـ ٢) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٥٢ : ٤٥٣.