حذف الجواب في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) ، معناها : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ، وأنّ الله رؤوف رحيم ، لهلكتم ، ومثله (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦)) (٢) معناها لو تعلمون علم اليقين لم تتنافسوا في الدنيا ولم تحرصوا على حطامها.
وقال امروء القيس :
فلو أنّها نفس تموت سويّة |
|
ولكنّها نفس تساقط أنفسا (٣) |
أراد فلو أنّها نفس تموت سويّة [لانقضت] وفنيت ، فحذف الجواب تعويلا على أنّ الكلام يقتضيه ويتعلّق به.
على أنّ من حمل هذه الآية على الوجه الذي لا يليق بنبيّ الله ، وأضاف العزم على المعصية إليه لا بدّ له من تقدير جواب محذوف ، ويكون التقدير على تأويله : ولقد همّت بالزنا وهمّ بمثله ، لو لا أن رأى برهان ربّه لفعله.
فإن قيل : متى علّقتم العزم في الآية والهمّ بالضرب أو الدفع كان ذلك مخالفا للظاهر.
قلنا : ليس الأمر على ما ظنّه هذا السائل ؛ لأن الهمّ في هذه الآية متعلّق بما لا يصحّ أن يتعلّق به العزم والارادة على الحقيقة ؛ لأنّه تعالى قال : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) فتعلّق الهمّ في ظاهر الكلام بذواتهما ، والذات الموجودة الباقية لا يصحّ أن تراد ويعزم عليها ، فلا بدّ من تقدير أمر محذوف يتعلّق العزم به ممّا يرجع إليهما ويختصّان به ، ورجوع الضرب والدفع إليهما كرجوع ركوب الفاحشة ، فلا ظاهر للكلام يقتضي خلاف ما ذكرناه ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : «قد هممت بفلان» فظاهر الكلام يقتضي تعلّق عزمه وهمّه إلى أمر يرجع إلى فلان ، وليس بعض الافعال بذلك أولى من بعض ، فقد يجوز أن يريد أنّه همّ بقصده أو باكرامه أو بإهانته أو غير ذلك من ضروب الأفعال.
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٢٠.
(٢) سورة التكاثر ، الآيتان : ٥ ـ ٦.
(٣) ديوانه : ١٤٠ ، وروايته : «تموت جميعة».