فأمّا دليلنا على طهارة دم السمك فهو بعد إجماع الفرقة المحقّة قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) يقتضي إباحة ظاهرة ، وإباحة لكلّ سمك وطهارة لجميع أجزائه ؛ لأنّ التّحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه.
ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) (١) فأخبر تعالى أنّ ما عدا المسفوح ليس بمحرّم ، ودم السمك ليس بمسفوح فوجب ألّا يكون محرّما (٢).
[الثاني :] وممّا انفردت به الإمامية تحريم أكل الثعلب والأرنب والضب ، ومن صيد البحر السمك الجريّ والمارما هي والزمّار وكل ما لا فلس له من السمك ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك إلّا أنّه روي عن أبي حنيفة وأصحابه موافقتنا في الثعلب خاصة (٣).
وروي عنهم أيضا كراهية أكل الضبّ ، ورووا كلّهم في خبر معروف رواه الأعمش قال : نزلنا أرضا كثيرة الضباب ، وأصابتنا مجاعة فطبخنا منها وأنّ القدر لتغلي بها إذ جاءنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما هذا؟ قلنا ضباب أصبناها ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ أمّة من بني إسرائيل مسخت ، وأرانا في تلك الأرض وإنّي أخشى أن تكون هذه منها فاكفوها (٤).
وهذا الخبر يقتضي ـ كما نراه ـ أنّ الضبّ مع تحريمه مسخ ، وهو قول الإمامية ؛ لأنّهم يعدون الضبّ من جملة المسوخ التي هي الفيل والأرنب والدبّ والعقرب والضب والعنكبوت والجري والوطواط والقرد والخنزير ، ولا يزال مخالفوهم إذا سمعوا منهم ذكر هذه المسوخ التي ما اعتمدوا في أنّها مسوخ إلّا على الرواية تضاحكوا منهم واستهزؤا بهم ونسبوهم إلى الغفلة وبعد الفطنة وهم يروون عن طرقهم وعن رجالهم مثل ما عجبوا منه بعينه ، والله المستعان.
والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ، وإن شئت أن تبني
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥.
(٢) الناصريات : ٩٤.
(٣) المغني (لابن قدامة) ، ١١ : ٦٧.
(٤) شرح معاني الآثار ، ٤ : ١٩٧.