هذه المسألة على مسألة تحريم صيد البازي وما أشبهه من جوارح الطير فعلت ، فقلت كلّ من حرّم صيد جوارح الطير حرّم ما عددناه ، والتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع.
فإن إستدل المخالف بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ، وظاهر هذه الآية يقتضي أن جميع صيد البحر حلال ، وكذلك صيد البرّ إلّا على المحرم خاصة ، أو استدلّ بما لا يزال يستدلّ به على أنّ أصل المنافع التي لا ضرر فيها عاجلا ولا آجلا على الإباحة ، وعلى من حظر شيئا من ذلك الدليل.
فالجواب : أنّ قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) لا يتناول ظاهره الخلاف في هذه المسألة ؛ لأنّ الصيد مصدر صدت ، وهو يجري مجرى الاصطياد الذي هو فعل الصائد ، وإنّما يسمّى الوحش وما جرى مجراه صيدا مجازا وعلى وجه الحذف ؛ لأنّه محل للاصطياد فسمّي باسمه ، وإذا كان كلامنا في تحريم لحم المصيد فلا دلالة في إباحة الصيد ؛ لأنّ الصيد غير المصيد ، فإن قيل : قوله تعالى : (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) يقتضي أنّه أراد المصيد دون الصيد ؛ لأنّ لفظة الطعام لا يليق إلّا بما ذكرناه دون المصدر.
قلنا : لو سلّمنا أنّ لفظة الطعام ترجع إلى لحوم ما يخرج من حيوان البحر ، لكان لنا أن نقول : قوله تعالى : (وَطَعامُهُ) يقتضي أن يكون ذلك اللحم مستحقّا في الشريعة لاسم الطعام ؛ لأنّ ما هو محرّم في الشريعة لا يسمّى بالاطلاق فيها طعاما ، كالميتة والخنزير ، فمن ادّعى في شيء ممّا عددنا تحريمه أنّه طعام في عرف الشريعة فليدل على ذلك ، فانه يتعذر عليه.
وقد روي عن الحسن البصري في قوله تعالى : (وَطَعامُهُ) أنّه أراد به البرّ والشعير والحبوب التي تسقى بذلك الماء (١) ، وحمل أكثر المفسّرين لفظة البحر على كلّ ماء كثير من عذب وملح (٢) ، وإذا حمل على الحبوب سقطت
__________________
(١) لم نعثر عليه.
(٢) أحكام القرآن : ٢ : ٤٧٨.