فإن قيل : فلم لم يقل : وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرحيم؟ فهو أليق بالكلام ومعناه من العزيز الحكيم.
قلنا : هذا سؤال من لم يعرف معنى الآية ؛ لأنّ الكلام لم يخرج مخرج مسألة غفران ، فيليق بما ذكر في السؤال ، وإنّما ورد على معنى تسليم الأمر إلى مالكه. فلو قيل فإنّك أنت الغفور الرحيم ، لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة ، ولم يقصد ذلك بالكلام ، على أنّ قوله : «العزيز الحكيم» أبلغ في المعنى وأشدّ استيفاء [له] من «الغفور الرحيم» ؛ وذلك أنّ الغفران والرحمة قد يكونان حكمة وصوابا ، وقد يكونان بخلاف ذلك ، فهما بالاطلاق لا يدلّان على الحكمة والحسن. والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة إذا كانا صوابين ، ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة ؛ لأنّ العزيز هو المنيع القادر الذي لا يذلّ ولا يضامّ ، وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم البتة. وأمّا الحكيم فهو الّذي يضع الأشياء مواضعها ويصيب بها أغراضها ، ولا يفعل إلّا الحسن الجميل ؛ فالمغفرة والرحمة إذا أقضتهما الحكمة دخلتا في قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وزاد معنى هذه اللفظة عليهما من حيث اقتضاء وصفه بالحكمة في سائر أفعاله. وإنّما طعن بهذا الكلام من الملحدين من لا معرفة له بمعاني الكلام ، وإلّا فبين ما تضمّنه القرآن من اللفظة وبين ما ذكروه فرق ظاهر في البلاغة واستيفاء المعاني والاشتمال عليها (١).
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٤٨.